يعود عضو الكونغرس الأميركي السابق نك رحّال مُجدداً هذا العام إلى بيروت، مُكرَّماً على جري العادة في موطن الأجداد، الذي أحبّه ودافع عنه بشراسة خلال عمله على مدار 38 عاماً في الكونغرس. ويبدو السياسي المُخضرم في الحزب الديموقراطي سعيداً بدعم واشنطن “الفعلي وليس اللفظي” للجيش اللبناني في مواجهته للإرهاب، مؤكّداً أنّ فوز وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كيلنتون بالسباق إلى البيت الأبيض، سيصبّ في “مصلحة لبنان ودول المنطقة”، بخلاف المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي “يُغيّر موقفه بين ليلة وضحاها”.لا يُخفي رحّال الذي عمل جاهداً لرفع حظر سفر الأميركيين الى لبنان في التسعينات سروره بمساعدة حكومة بلاده الجيشَ اللبناني “بأكثر من الكلمات”، ويدعو القادة اللبنانيين إلى انتخاب رئيس وعدم انتظار الإستحقاقات الخارجية.

ويقول رحّال لصحيفة “الجمهورية” التي التقته خلال زيارته الى بيروت للمشاركة في حفل “تكريم الروّاد”، “إنّ اللبنانيين أشخاصٌ أقوياء، لديهم القدرة ليلتقوا معاً وينتخبوا رئيساً بأنفسهم. أُدرك حجم التدخلات الخارجية، ولكن إذا أظهر اللبنانيون عزمهم من خلال قادتهم في البرلمان، يمكن القول للخارج لنجرّب بمفردنا، ولنرَ إذا كنا نستطيع أن نعمل معاً”.

ويتابع: “لا شكّ في أنّ ما يجري في الجوار في سوريا يؤثّر عليكم، اليوم لبنان أكثر استقراراً مقارنة مع دول الجوار، إن شاء لله لن يتقاتل اللبنانيون في ما بينهم، هناك وحدة بين الجميع لمواجهة “داعش” و”جبهة النصرة”، والجيش اللبناني بقيادة الجنرال جان قهوجي يقوم بعملٍ جبّار لحماية سيادة لبنان ووحدته”.

قد يرتأي اللبنانيون “تغييرَ الدستور والقانونَ الإنتخابي، لكن لنسمح لهم تقريرَ ذلك بأنفسهم، وقد ينجح الأمر”، بدلاً من انتظار الإنتخابات الأميركية وجلاء الوضع في سوريا واليمن، يتابع رحّال.  

وفي حال، كان سيّد البيت الأبيض المقبل جمهورياً، يتخوّف رحّال ممّا سيكون عليه موقف المرشح دونالد ترامب، الذي “يغيّر رأيه بين ليلة وضحاها». أمّا في حال كانت الإدارة المقبلة للديموقراطيين، سيكون ذلك لـ»مصلحة لبنان ودول المنطقة”.

ويقول: “هيلاري كيلنتون شخصية معروفة، ومواقفها واضحة في المنطقة، اتفقنا معها أو لا، وهي ستقدّم توجيهاتها وإرشاداتها إلى وزارة الخارجية، ولديها خبرة ومعرفة باللاعبين في المنطقة”.

العقوبات الأميركية

في الوقت عينه، يبدو رحّال متفائلاً بجهود حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتخفيفِ تداعياتِ العقوبات الأميركية المصرفية على لبنان والتي تستهدف «حزب الله»، وهو سبق وناقش ذلك مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ووفودٍ لبنانية زارت أميركا.

ويقول: “يسعى سلامة إلى تعديل تطبيق قانون مكافحة تبييض الأموال بشكلٍ يُخفّف من حدّته ويرضي الجميع، ولتجنّب إلحاق الأذى بالمستشفيات والمدارس والمؤسسات الخيرية غير المُتورّطة بتمويل الإرهاب”.

يبتسم رحّال في معرض ردّه على إمكانية أن يكون تعاون سلامة جواز عبوره الى الرئاسة الأولى، ويكتفي بالقول: “سلامة يقوم بما يجب العمل به لمساعدة لبنان على تحمّل العواقب الأميركية غير المقصودة على الشعب اللبناني، والبحث عن طرق للتعاون ووقف تمويل الإرهاب من دون التسبّب بأذى للبنانيين”.

ويثمّن رحّال ما قامت به “شراكة النهضة اللبنانية الأميركية” (LARP). ويقول: “أدعم هذه المهمة الممتازة، رغم كون مهمتها مدنيّة فقط، هي تترك انطباعاً لدى صنّاع القرار في أميركا ولا سيما وزارتي الخارجية والبنتاغون بضرورة دعم الجيش اللبناني، واعتباره شريكاً في مكافحة الإرهاب”.

إرهابٌ لا يعتبر رحّال أنّ هزيمته ممكنة فقط بضرب «داعش» وأخواتها، على قاعدة أنّ “القنابل لا تهزم فكرة إيديولوجية تتناقلها الأجيال. ترامب يريد ضربَ “داعش”، لكن اليوم لدينا “داعش”… لا نعلم ماذا سيطلق عليها غداً»، متخوِّفاً من ظهور تنظيمٍ أسوأ من “داعش” بنكهة مختلفة.

فالمطلوبُ حلّ سياسي في سوريا، وأن تتواصل الغارات الجوّية وهجمات الطائرات من دون طيار، وتعزيز المعلومات الإستخبارية لضمان فعالية الغارات، في نظره.

لكن حتى الساعة، يستبعد رحّال إمكانَ إحداث إدارة الرئيس باراك أوباما أيّ خرق في جدار الأزمة السورية قبيل مغادرته. ويقول: “هناك قراراتٌ أساسية سيتركها أوباما على الطاولة لخلفه، لا يريد التورّط بها. لقد أتى الى البيت الأبيض لإنهاء حربَي العراق وافغانستان، وهو لا يريد المغادرة بتحمّل مسؤولية إشعال حرب ثالثة”.

إلّا أنّ رحال يعتبر أنّه من الخطأ أن تدير واشنطن ظهرها لما يجري في الشرق الأوسط، بعدما باتت تعتمد على نفطها الخاص وبخلاف فترة الحرب الباردة، حيث كان التركيزُ على محاربة الشيوعية وإبقاءِ نفط الشرق الأوسط يتدفّق. ويضيف: “من المفترض أنّ الحرب الباردة انتهت. الرأي العام الأميركي يقول أيَّ مصالح لدينا لنبقى في الشرق الاوسط، لكن هذا ليس سبباً للإنسحاب من المنطقة كما قد يفعل ترامب”.

ويشدّد رحّال على أنّه “لا يمكن سحب أميركا من هذا الجزء من العالم، وترك المنطقة لإسرائيل. إسرائيل لا تعمل دائماً مصلحتنا، نريد حلفاء معتدلين للتعاون”.

وإذ يستبعد أن تُقرّر إدارة كيلنتون فيما لو فازت إرسالَ جنود أميركيين إلى سوريا، يوضح أنّ سياستها ستكون “أكثر حدّة وعدائية وصرامة، وسترفع الدعم إلى المتمرّدين السوريين، ومن دون شك ستكون أفضل للمنطقة من ترامب”.

ويقول: “لا يمكن ضرب الأشخاص السيّئين وتوقّع أن يعمّ السلام في المنطقة وأن يسود شعورُ المحبة للأميركيين، فعدم متابعتنا الوضع في العراق، حوّل الأمر الى مأساة، نحن نحتاج استراتيجية متابعة ليس مع القادة وفي بعض الأحيان حتى مع الشعوب، ومراعاة خصوصية كلّ بلد عربي في التعامل معه”.

ويعتبر أنّ قرارَ الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الفظيع الذي تسبّب بإزهاق أرواح 4000 أميركي في العراق ، فتح الباب ليس فقط لظهور “داعش” بل لتوسّع نفوذ إيران وتعاظم طموحاتها ودعمها لـ”حزب الله” على وجه التحديد في لبنان، ما جعل الغرب ينظر الى لبنان على أنّه مكانٌ غير آمن، ما انعكس سلباً على اقتصاده وقطاعه السياحي خصوصاً.

نبض الشارع الأميركي

أمّا في الداخل الأميركي، فيرى رحّال أنّ الأميركيين يدعمون مرشحاً نتيجة كرههم لمنافسه، وهم غاضبون من النظام الفاسد. ويقول: “الشعب الأميركي غاضب، وهو لا يحب أصحابَ المصالح الذين لا يكترثون إلّا لجني مزيد من الأموال على حساب الآخرين، ويسود خوفٌ بين أبناء الطبقة الوسطى والعامل الأميركي العادي من خسارة وظائفهم بسبب اتفاقية التجارة الحرّة لشمال أميركا (NAFTA) وغيرها”.

ويشير إلى أنّ “الأميركيين أعجبهم وأحبّوا تمويلَ ترامب حملته بشكل شخصي، وجمع ساندرز التبرّعات من الشعب الأميركي العادي وليس من أصحاب المصالح»، لكنّ استطلاعاتِ الرأي تتغيّر أسبوعياً وبالتالي لا يمكن معرفة لمَن تميل كفة الربح.

ولا يُنكر رحّال قلق الأميركيين من الأعمال الإرهابية في الولايات المتحدة وفي أوروبا. ويقول «إنّ ترامب يلعب على غضب الأميركيين. نحن خائفون، ولكن هذا لا يجب أن يدفعنا الى تغيير نمط حياتنا. الإرهابيون يريدون ذلك، فالمطلوب أن نجتمع معاً ونناقش الأفكار السياسية، والإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، وتخفيف حدّة الاستقطاب في المجتمع الأميركي”.

ويشدّد على ضرورة أن يجتمع القادة الأميركيون البيض مع الأفارقة والقادة المسلمين والمسيحيين والعمل معاً على المستوى المحلّي وإجراء لقاءات شهرية لتطبيق القانون.

ويضيف: “إذا كانت لدينا معلومات عن أشخاص سيّئين أو مشبوهين يمكن تشاركها، وهذا ما يجب فعله في المجتمع الأميركي لمساعدة شعبنا والآخرين”.

ويتابع: “لن أقول يمكننا مكافحة الإرهاب أو مواجهة الذئاب المنفردة بشكلٍ كامل، لا أحد يمكنه وقف ذلك مئة في المئة، ولكن يمكن القيام بأفضل ممّا قمنا به من قبل”.

في العلاقة مع روسيا وعدم حماسة الأميركيين لملاقاتها في منتصف الطريق، يرى رحّال أنّ على الولايات المتحدة التوصّل الى اتفاقٍ سياسي في سوريا يشمل الروس. ويقول: “علينا الوثوق بالروس، لكن ينبغي التحقق ممّا يقولون. حتى الساعة لا تبدو وزارة الخارجية الأميركية مُستعدّة لمنح مصداقية كاملة للروس، ما تخشاه إدارتنا هو أن يكون عرض الروس للهدنات هدفه التقليل من أهمية ما يجري والحصول على المزيد لصالحهم”.

ويتابع: “نحن ندرك أنّ للروس مصالحَهم العميقة في سوريا، التي يعتبرونها شريانَ الحياة الى المتوسط. هذه أولويتهم وليس دعم الرئيس بشار الأسد. هم يستخدمونه قدر ما يريدون لتعزيز مصالحهم. والأسد يعلم أنّ الاتفاق مع الروس سيكون أفضل لمصلحته”.

فالرئيس السوري “مسرورٌ بالقول للأميركيين، أنا لا زلتُ هنا”، في وقت يغادر أوباما البيت الأبيض قريباً. وإذا نجح الروس والأميركيون في التوصّل إلى اتفاق في سوريا قبل مغادرة أوباما، يبقى السؤال في نظر رحّال هل سيكون اتفاقاً مستداماً؟

أميركا والإنقلابُ الفاشل

تركياً، يذكّر رحّال بالعلاقة الجيدة التي كانت تجمع أوباما بنظيره التركي رجب طيب اردوغان، ويرفض اعتبارَ الانقلاب الفاشل في تركيا بأنّه “مؤامرة” ضدّ أردوغان، وتسديداً لدين قديم على خلفية عدم سماحه باستخدام تركيا قاعدة لإنطلاق القوات الأميركية أثناء غزو العراق عام 2003.

ويقول: “لا أقبض هذا الأمر جدّياً ولا أعتبر أنّ الأميركيين يعاقبونه. لا نزال نحتاج تركيا، ليس فقط كدولة في حلف الأطلسي وقاعدة لإنطلاق طائراتنا، وتزويد الغرب بقاعدة عمليات ضد “داعش”، فتركيا دولة محورية في الحرب على الإرهاب”.

ويتابع: “نحتاج إلى أردوغان وهو يعرف ذلك، الموقف صعب، لكن لا ينبغي لأردوغان إستخدام الإنقلاب لإعتقال كلّ شخص يعارضه، ولإحكام قبضته على المؤسسات، هذه أفعال لا يمكن القبول بها”.

أمّا تسليم الولايات المتحدة خصم أردوغان الداعية الإسلامي فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الإنقلاب، إلى تركيا، فيفضّل رحّال تركه الى الخبراء الأميركيين القانونيين لتقرير ذلك من عدمه.

عملية السلام

على صعيد الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ينتقد رحّال تصعيب الإسرائيليين المهمة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهم لم يعطوه شيئاً ليقدّمه إلى شعبه، فتصاعد نفوذ “حماس”. وهو ما استفاد منه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يواصل التذرّعَ بأن لا شريك لديه للتفاوض معه. ويشدّد على أنّه “من مصلحة أمن إسرائيل ألّا يفشل عباس”.

ويبدي رحّال تأييده لمبادرة السلام الفرنسية على رغم عدم قبول إسرائيل بها، فإذا لم يكن الأميركيون عرّابين للتسوية قد يكون ذلك أفضل، فإتفاق الأسرة الدولية من شأنه مساعدة أميركا في وضع اتفاقٍ على الطاولة والمضي بحلّ الدولتين.

ويعتبر أنّ الإستلهامَ من تجربة السداسية في حلّ الملف النووي الإيراني وخلق نموذجٍ مماثل للتفاوض أمر يستحق المحاولة.

ويذكّر بتعيين أوباما مبعوثاً خاصاً له وهو جورج ميتشل لتحريك عملية السلام، ووقوف الكونغرس في المرصاد له وتوجيه اللوم اليه لإنتقاده إسرائيل.

ويشير إلى أنّ “أوباما أدرك أنّه لا يمكن فرض اتفاق على الأطراف في المنطقة، بل ينبغي أن يريدوا ذلك، وأن تكون لديهم النيّة لتحقيق التسويات المطلوبة”. ويختم رحّال حديثه متوجِّهاً إلى اللبنانيين: “نحن أصدقاؤكم، لا تدعوا السياسيين يُخرّبون ذلك… لا تتخلّوا عن أميركا”.