لم تعد باسكال تتحمّل عملها، هي تعيش في محيط يطغى عليه الرجال. رؤساؤها جميعهم من الرجال كما هي العادة في غالبية الشركات، فالسلطة للرجل. أمّا زملاؤها فبينهم نساء إلّا أنهنّ دائماً مرؤوسات.يمضي الإنسان أكثر من نصف حياته في مكان عمله. انزعاجه في العمل سيفسد عليه الحياة حتماً، فمَن يتعرّض لشتّى الضغوط النفسية في العمل يعاني التعصيب. تؤكّد دراسة أميركية حديثة أجرتها جامعة "إنديانا" أنّ النساء اللواتي يعملن في أوساط مهنية يسيطر عليها الذكور معرّضات لنسب عالية من التعصيب قد تكون مضرّة بصحتهنّ. هذه العصبية تسبّبها قلة عددهن في حرم المؤسسة، بالإضافة الى الفروقات في الراتب بين النساء والرجال اللذين يعملون العمل نفسه، كما أنّ عمل أيّ امرأة في محيط يسيطر عليه الذكور يُعرّضها لمضايقات عديدة.

التحرّش

ينتشر التحرّش بالمرأة في أماكن العمل بشكل كبير في لبنان والعالم. لهذا الداء الاجتماعي المريع دواء واحد، وهو إرساء قانون يحرّم التحرش بالمرأة في مكان العمل ويمنحها فرصة التشكي إلى السلطات على أيّ رجل يحاول مضايقتها، ما يضع حدّاً لممارسات الذكور المتمادية في محيطها المهني. ولكن تجدر الإشارة إلى أن لا قانون يعاقب المتحرّش في لبنان، ما يفسح المجال للرجال بإطلاق عنان وقاحتهم وتفريغ كبتهم وحتّى حيونتهم على الزميلات وخصوصاً المرؤوسات من الموظفات.

فهي إن لم تسايره وتستمع إلى كلامه البذيء والمتطفل ولم تُجب على أسئلته الوقحة والمتمادية وتتحمل يده التي يمرّرها على كتفيها وشعرها كلما أراد محادثتها، قد يفسد عليها حياتها ويفجّر بها شتّى أنواع المكائد و«الضروب» في العمل وصولاً إلى التسبّب بطردها.

وتُعتبر هذه التحرّشات بدائية بالنسبة إلى أخرى أكثر خطورة، فعن استغلال الموظفات جنسياً في لبنان، حدّث ولا حرج الأمثال لا تنتهي والروايات كثيرة ومتعدّدة وفنون التحرّش والاستغلال تقليدية ومبتكرة، ولا مَن يحاسب أو يأبه حتّى.

الفاجر يأكل مال التاجر

لا يصل الرجل إلى مراكز القرار صدفة. فهذا يتطلّب حرباً قد تكون شريفة وقد لا تكون. فأحياناً يعتمد أساليب التسلّط والتحقير بالآخرين والاستخفاف بعملهم وتبنّي نجاحهم حتى يصل إلى مركزه.

في المقابل يشكّل التواضع صفة من الصفات التي تميّز عدداً كبيراً من النساء في العمل، ما ينقلب ضدهن في أحيان كثيرة. فالمرأة المتواضعة لا تعترف بنجاحها وتسخّف إنجازاتها بدل الإضاءة عليها، وذلك فقط بسبب الخوف من إعطاء انطباع بأنها متعالية أو متشاوفة.

كما أنّ قلة الثقة بالنفس التي تطبع النساء في مجال الأعمال تدفعهنّ في آتون إيجاد الأفكار والخوف من تنفيذها، ما يحرقهنّ مهنياً. وكم من مرّة طرحت امرأة فكرة بطريقة خجولة فسرقها زميل أو مدير بتسلّط وثقة ونسبها له متحلّياً بجرأة تنفيذها والتباهي بإنجازاته.

هذا الواقع يُشعر النساء عادة بالغبن في العمل، وغالباً ما تتحوّل المرأة المضحّية في العمل إلى شخص يتمّ اللجوء إليه لإتمام أعمال السخرة لأنه لا يقاوم ولا يرفض الطلب.

الراتب

إلى ذلك يشير تقرير للمنتدى الإقتصادي العالمي إلى أنّ الفجوة بين أجور المرأة والرجل تحتاج نحو 118 عاماً قبل أن تُردم. وهذا الواقع لا يعاني منه لبنان وحده بل يسيطر على جميع دول العالم وحتّى المتقدّمة منها.

حياة يائسة بائسة

غالباً ما لا يتمكن المتضايق في العمل من تحقيق الفصل بين عمله وخارجه، فيحمل معه التوتر المفروض عليه في الشركة إلى خارجها بعد انقضاء الدوام، ويؤثّر ذلك سلباً في صحته النفسية والجسدية وحتى في أسرته والمحيطين به.

ولكن استناداً إلى الدراسة الأميركية، فإنّ تواجد النساء ضمن فريق مهني يتألف بغالبيته من الجنس الآخر يسبّب لهنّ مستويات عالية وخطيرة من التعصيب، يصفها العلماء بالمثيرة للقلق بالنسبة للصحة. وهنّ لا يتأثرن فقط جراء الغضب والتشنّج المستشري في مكان العمل طوال النهار إنما يعانين تبعات ذلك لمدة طويلة وتدوم.

ويعرب العلماء عن تعجّبهم إذ إنّ النساء اللواتي يحتللن مراكز قيادية لسنَ أوائل ضحايا التعصيب بل أولئك اللواتي يتمتعن بمركز وسطي حسب التسلسل الهرمي. وللتعصيب آثار مدمّرة تترجم بتعب مفرط، أرق وعدم قدرة على النوم، قلق، ومشكلات جسدية منها أمراض القلب، مشكلات الهضم، والزيادة في الوزن.

(سابين الحاج - الجمهورية)