إن الله خلق الإنسان مفطوراً على حبِّ الإجتماع والتعاون والتلاقي والتعايش, كل ضمنَ بيئَتهِ ومحيطهِ ومجتمعه. والإنسان ملزمٌ أن يعيشَ مع أبناء جلدتهِ وجنسه الحياة الإجتماعية بالتعاون في حل المشاكل وإزالة العقباتِ وتفكيك التعقيدات التي تواجههم. وهذا يتطلّب وضع الأنظمة والقوانين والتقيُّد بالأعراف والتقاليد لتنظِّم حياة الناس والمجتمعات على اختلاف أجناسهم وجنسياتهم وانتماءاتهم ولغاتهم ومشاربهم. وهذه الأنظمة والقوانين تحدُّ بالطبع من حرية الفرد التي لا بدَّ من الإلتزام بها حفاظاً على الحياة الإجتماعية من التمزُّقِ والشرذمة والإنفلات.
الحرية,اصطلاحاً,هي القدرة على الإختيار ومنها إبداء الرأي وإعلانه دون أي ضغطٍ أو تأثير من أحد, وهو حق كفلته الشريعة الغرّاء لكلِّ إنسان. فكل فردٍ يتمتع بالحرية في إبداء رأيه والتعبير عنه بكل ثقةٍ واطمئنان كما كفلته القوانين الدولية والعالمية كافة. وإن حرية الإنسان تقف عند حدود وحقوق الآخرين ومن هنا لا يمكن أن يكون للحرية المطلقة وجود في أي مجتمعٍ من المجتمعات. إذ ليس معنى الحرية أن أمارس حرِّيتي متجاوزاً كل الضوابط والحدود والأعراف وكل المعايير الإنسانية كي تصبح الحرية فاقدةً لقيمتها النبيلة وفارغة من محتواها الحقيقي. إذ إن الهدف الأساس هو احترام حياة الإنسان وحقه في التعبير والتفكير والعمل وعدم التعرُّض بالإساءة لعقائد وأفكار ورموز الآخرين ومقدساتهم.
وبهذا المعنى, تصبح الحرية لدى الإنسان قيمة مقدسة لا يمكن المساس بها إذ لا بد من تصويبها وترشيدها حتى لا تأخذ منحى آخر وتخرج عن هدفها الطبيعي الهادف. فالحرية لا تعني أن يطلق الإنسان العنان ليديه ولسانه قوةً وبطشا ابتغاء مآربه مما تسوِّل له نفسه دونما أي وازع أخلاقي ولا ديني أو رادع من ضوابط وقوانين. وأننا نلحظ أن الشرع والقوانين متفقان على الحد من حرية الفرد لصالح الجماعة. فالحرية الهادفة والواعية والمسؤولة هي الكفيلة بنظم الأمور وإحلال الأمن والأمان مما يؤسس إلى مجتمع مطرّد في التنمية والإبداع حيث يعدّ حاضنة وأرض خصبة لتلاقح الأفكار الإيجابي والبنّاء.
الشيخ محمد حسني حجازي