تتواصل حالة الثّورة والغليان والاعتراض في أكثر من ساحة عربّية، ومعها تتواصل عمليات الاستثمار من قبل الإدارات الغربيّة، لحرف حركات الاعتراض والانتفاضات العربيّة عن مسارها السلمي وللدّخول إلى قلب البلدان العربيّة بعناوين وأساليب جديدة.

وبين هدير طائرات الحلف الأطلسي وصيحات الإعلام الموجّه في طول المنطقة العربيّة والإسلاميّة، تبرز الأقنعة الجديدة التّي يُراد لها أن تنطلق كموجّهٍ لكثير من الحركات، وكناظمٍ لحركة الثّورات الوليدة، بما يتناسب مع مصالح الدّول النّاهبة لخيرات شعوبنا، والسّاعية للسّيطرة عليها بطرائق ووسائل جديدة.

لقد كان من اللافت أن تتباطأ المنظّمات الإقليميّة كالجامعة العربّية، والّدول الإسلاميّة، وكذلك منظّمة المؤتمر الإسلامي، حيال ما يجري في الوطن العربي وغيرها، وأن لا ترفع الصوت، لتفسح المجال واسعاً أمام التدخل الغربي وصولاً إلى مواقع أخرى قد يرى أن الظروف ستكون مهيأة له لاستباحتها إذا سارت الأمور وفق مخططاتها.

ومع الأسف، فإنّ النظام العربي المتداعي في بعض مواقعه يفسح المجال لكلّ الناهبين الدوليين، وللغرب الاستعماري تحديداً، أن يتقدموا إلى الميادين العربية، ليمسكوا بزمام المبادرة من جديد، وليلبسوا لبوس نصرة الشعوب العربية وحاملي لواء الحرية في ساحاتها، مع أنّ الجميع تعَّرف إلى هؤلاء السّارقين والنّاهبين.. وعرف أنّ كلّ همّهم هو السّيطرة على ثروات هذه المنطقة، والنّفط في مقّدمها، والإمساك بقرارها.

إنّ هذا التسليم من النظام العربي، هو الذي سمح لأمريكا المثقلة بالجراح في العراق وأفغانستان، والمهيضة الجناح في أكثر من موقع عربي وإسلامي، سمح لها بأن تعود على بساط من الريح الأمني والعسكري وحتى الإعلامي، لتدخل من الشباك بعد أن اٌخرجَت من الباب، وتقدم نفسها كحامية لحمى الثورات العربية وكراعية لحرية شعوبها.. وإلى جانبها كلٌ هذا الرّهط من المستكبرين الأوروبيين، الذين لم يستحي أحد مسؤوليهم من الإشادة برئيسه لأنّه قاد الحرب الصليبية في ليبيا، وفق تعبيره.

أما الأمم المتحدة، فقد أظهرت المزيد من الحرص على ألا تنحرف عن المسار الأمريكي، فهي تتحدث على لسان أمينها العام عن حقوق الإنسان والحريات في المواقع التي تذهب إليها الطائرات الأميريكية، ولا تنبس ببنت شفة عن المواقع  المدنية التي يقصفها طيران الكيان الصهيوني في قلب غزة وعلى أطرافها..

وكأنها تقول للرّئيس الأمريكي: سر إلى أي مكان ونحن خلفك..؟

وبهذا تخرج المنظمة الدّوليّة مجدّداً من ميثاقها، وتتمرّد على دستورها، لتبعث برسائل جديدة إلى الشّعوب، مفادها أنّ الحرّية والسّيادة التي يُنادي بها الأمين العام كدواءٍ لهذه الشّعوب، ليست متوفّرةً في الأمم المتّحدة نفسها التّي باتت مستعبدةً بشكلٍ شبه مطلق لأمريكا وما يسمى بدول القرار في السنوات الأخيرة.

إنّنا ندعو الشّباب العربي الذّي انطلقت هذه الحركة العفويّة الثوريّة من قاعدته ، ومن صميم شعوره بضرورة التّغيير، أن لا يسمح لكلّ هؤلاء المتسلّقين الدوليين، واللّصوص الإقليمييّن، بتدنيس حركته، ليأخذ من جديد زمام المبادرة في الميادين الشعبية والإعلامية والسياسية،وينتزع الراية من هؤلاء جميعاً، وينزع القناع عن كلّ طغاة العالم الذين يقدمون أنفسهم كمنقذين لشعوبنا من طغاتها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

كما ندعو هؤلاء الشّباب إلى أن لا ينزلقوا في حمّى الفوضى العمياء التي خطّط لها الأعداء، فيصابوا بسوء التقدير، ويتعاطوا مع قوى الحريّة المقاومة والممانعة وكأنّها شبيهة بأولئك الّذين جعلوا بلدانهم رهينةً بأيدي الاستكبار، وباعوا أوطانهم لحسابه.. إنّنا نريد لحركة الوعي العربّية أن تتقدّم إلى كلّ الساحات، وخصوصاً ساحات الحرّية السياسيّة، لكن عليها أن لا تنسى القضايا الكبرى، وأن لآ تُضعف في طريقها الذّين يقفون سدّاً حاجزاً أماتم غطرسة العدوّ الصّهيونيّ والاستكبار، وهذا لا يعفي هؤلاء من أن يبادروا إلى إصلاح الأمر مع شعوبهم وشبابهم، قبل أن تدخل كلّ قوى الاستعمار والانتهازيّة على خطّ حاجات شعوبهم والإصلاح لواقعهم. إنّ العدوّ الصّهيونيّ الذي يواصل عدوانه الاستيطاني والإرهابي ضدَّ الشعَّب الفلسطينيّ، يستعدُّ في هذه الأيّام، كما استعدّ في السابق، للإيقاع فيما بينكم، وللانقضاض على ساحتكم مجدّداً، وهو يتحدَّث بلغة الواثق عن أنَّه سيستفيد من الأجواء التّي توفرّها الثّورات العربيَّة أو

الحركات الاعتراضيّة هنا وهناك، لأنَّه يرسم الخطط الإعلاميَّة والسياسيَّة والأمنية التّي من شأنها الإلتفاف على كلّ حركة الطّهر التيّي انطلقت من شرارات الثّورات والانتفاضات هنا وهناك، ولأنَّه يهيّئ المناخات للإلتفاف عليها من نافذة الفتنة المذهبيّة التّي سقط في وحواها الكثيرون، وكاد حتّى الكبار من علماء الدين ينزلقون في مستنقعاتها ويسقطون في متاهات آثامها.