أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جدلا كبيرا باقتراحه الضمني تطبيع العلاقات مع الدول العربية، قبل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين.
ويرى محللون أن نتنياهو يواصل، من خلال هذا الطرح، سياسة الهروب إلى الأمام والتنصل من أي التزام لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وكان نتنياهو قد صرح خلال مشاركته في مراسم تخريج دفعة جديدة من منتسبي كلية الأمن القومي، بمدينة القدس، أن تطبيع العلاقات مع العالم العربي أولا “يمكن أن يساعدنا في دفع السلام الأكثر وعيا واستقرارا ودعما بيننا وبين الفلسطينيين”.

وأضاف أن العلاقات مع العرب “في مرحلة تحول جذري”، وأن “الدول العربية باتت تدرك أن إسرائيل ليست عدوا لها، بل هي حليف وسند هام في وجه التيار الإسلامي المتطرف وإيران اللذين يهددان الجميع”.

وتابع “قلنا دائما إن بعد أن نحل الصراع مع الفلسطينيين ونقيم علاقات سلمية معهم، سنستطيع التوصل إلى علاقات سلمية مع العالم العربي بأسره. ولا شك أن هذا الأمر يسري دائما ولكن أعتقد أكثر فأكثر أن تلك العملية تستطيع أن تتحرك في الاتجاه المعاكس حيث التطبيع أو دفع العلاقات مع العالم العربي يمكن أن يساعدنا في تحريك السلام بيننا وبين الفلسطينيين”.

وتعمل إسرائيل على استثمار الوضع الإقليمي الملتهب وتنامي التهديدات الإرهابية للتسويق لنفسها على أنها قادرة على مد يد المساعدة، خاصة وأن الخطر يتهدد الجميع.

وتسقط تل أبيب من حساباتها تمسك الدول العربية بضرورة أن يكون التطبيع ثمرة لاتفاق نهائي لحل القضية الفلسطينية.

وقد طرحت المملكة العربية السعودية في العام 2002 مبادرة للسلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين وإسرائيل، تبنتها جامعة الدول العربية ومنظم-ة المؤتمر الإسلامي.

وتقوم هذه المبادرة أساسا على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967 وتشمل كلا من الضفة الغربية وغزة والجولان السوري، وأيضا الأراضي التي تحتلها في جنوب لبنان.

نتنياهو يدرك جيدا الموقف العربي حيال مسألة التطبيع، ولكنه يرمي إلى إحداث المزيد من الإرباك على المشهد العربي
وتنص المبادرة على إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بناء على قرار الجمعية الأممية للأمم المتحدة 194، وإعلان دولة فلسطينية مستقلة.

وتعتبر الدول العربية أن موافقة إسرائيل على المبادرة هي الطريق الوحيد للتوصل إلى تطبيع للعلاقات معها.

وقد أوضحت المملكة العربية السعودية ذلك مرارا، مشددة على رفضها لتجزئة هذه المبادرة، في رد على تصريحات سابقة لنتنياهو أكد فيها أن مبادرة السلام العربية تحتوي على نقاط إيجابية يمكن البناء عليها.

ويقول محللون إن نتنياهو يدرك جيدا الموقف العربي حيال مسألة التطبيع، ولكنه يرمي من خلال هذه التصريحات إلى إحداث المزيد من الإرباك على المشهد العربي، ووضع عراقيل جديدة أمام أي محاولة لإعادة توجيه دفة العملية السياسية مع الفلسطينيين نحو الطريق الصحيح.

وتوقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، في أبريل 2014، بعد رفض إسرائيل وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ورفض قبول مفاوضات على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود 1967 ورفض الإفراج عن معتقلين أمضوا سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية.

وطرحت فرنسا منذ أشهر مبادرة لعقد قمة دولية لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين واحتضنت اجتماعا تمهيديا شاركت فيه عواصم عربية وغربية ومنها الرياض وواشنطن.

وبالتوازي مع الجهود الفرنسية طرحت مصر بدورها مبادرة لإعادة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وتتقاطع كلا المبادرتان في نفس الهدف وهو إيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية، ولكن ومثل ما هو متوقع قابلت تل أبيب المبادرة الفرنسية برفض شديد، والمصرية بمماطلة.

وفي موقف من السلطة الفلسطينية على طرح نتنياهو الأخير، دعت وزارة الخارجية، الخميس، الدول العربية إلى الحذر من “أطروحات التطبيع” الخاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي، مشيرة إلى أن توجهات نتنياهو خطيرة للغاية.

وقالت الوزارة، في بيان صحافي “ندعو العرب إلى الحذر من أطروحات نتنياهو التطبيعية، بينما تعمل حكومته وأذرعها المختلفة على تمديد عمر الاحتلال، وتهويد الأرض الفلسطينية، وضرب مقومات وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة”.

وأضافت الخارجية الفلسطينية “هذه التصريحات رسائل سياسية إلى أكثر من جهة، وهو يرغب في أن يظهر للداخل الإسرائيلي أنه يحقق الانتصارات والإنجازات الدبلوماسية، وأن حكومته لا تعاني من أي عزلة(…)”.

ومضى البيان “يحاول نتنياهو الترويج بأن السلام من خلال البوابة الإقليمية مازال ممكنا بهدف قطع الطريق على جهود السلام الدولية، وإعطاء الانطباع أنه يبحث عن فرص ومخارج تسمح بعودة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية من خلال البوابة العربية، وهو بالتالي يعكس إطار تنفيذ مبادرة السلام العربية، ويخرجها عن شكلها الحالي (…)”.

وفي وقت سابق، وتعليقا على تصريحات نتنياهو، قالت حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن نتنياهو “يحاول قطف ثمار السلام قبل إعطاء أي استحقاقات فعلية على الأرض”، مؤكدة رفض تصريحاته المذكورة.

 

صحيفة العرب