تسبّب الدور السلبي للميليشيات الشيعية في العراق في تأجيج الخلافات بين بغداد والرياض مجّددا في فترة بدا فيها أن العلاقات بين الطرفين تتجه بسرعة نحو التحسّن، بعد أن بادرت المملكة العربية السعودية بإعادة فتح سفارتها في العراق، وأبدت تضامنها مع الأخير في محاربة تنظيم داعش، وأعربت عن استعدادها لتقديم المساعدة له.
وتنظر السعودية، على غرار الكثير من الدول العربية والأجنبية، إلى الميليشيات الشيعية المشكّلة للحشد الشعبي، باعتبارها أذرعا لإيران في العراق، ووسيلة لاضطهاد أبناء الطائفة السنية في البلاد، ما يجعلها سببا رئيسيا في تأجيج الطائفية في المنطقة، الأمر الذي يزيد الحرب على تنظيم داعش صعوبة وتعقيدا.

وجاءت الحملة العسكرية على تنظيم داعش في مدينة الفلّوجة وما رافقها من اعتداءات على المدنيين مارسها منتسبو الحشد الشعبي، لتؤكّد سلبية دور الميليشيات في العراق، ولتذكي المطالبات بحلّها.

ودعا وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى تفكيك الميليشيات الشيعية، متهما إياها بتأجيج التوتر الطائفي.

وقال خلال لقاء مع صحافيين في باريس، في ختام زيارة قام بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن “الحشد الشعبي طائفي وتقوده ايران”.

وتابع “كانت هناك تجاوزات خلال معركة الفلوجة.. نعتقد أن هذه الميليشيات يجب تفكيكها وينبغي على الجيش العراقي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية”.

وكرر بالمناسبة دعوته إلى تشكيل حكومة عراقية “تشمل جميع الفئات والمجموعات في البلاد”. ومثّلت تلك الدعوة مناسبة لاستئناف الحملة ضدّ السعودية، من قبل جهات عراقية معروفة بولائها لإيران، وسبق لها أن أظهرت عدم رضاها عن إعادة فتح السفارة السعودية في بغداد.

وصدرت ردود الفعل على الموقف السعودي من ميليشيات الحشد الشعبي، عن سياسيين شيعة وعن قادة تلك الميليشيات، كما صدرت عن وزارة الخارجية التي يقودها إبراهيم الجعفري المعروف بموالاته الشديدة لإيران، والمتهم من قبل معارضين عراقيين لنظام الأحزاب الدينية، بتكييف السياسة الخارجية لبلاده وفق المصالح الإيرانية.

وعبّرت الخارجية العراقية، الخميس، في بيان صادر عن المتحدّث باسمها أحمد جمال “عن رفضها وانزعاجها للتدخل المتكرر من قبل الخارجية السعودية، في شؤون العراق الداخلية”.


عادل الجبير: ينبغي تفكيك الميليشيات والتعويل على الجيش العراقي في محاربة داعش
وورد في البيان أنّ “الحشد الشعبي هيئة رسمية تشكّلت من متطوعين يمثلون كافة مكونات الشعب العراقي، وهو جزء من منظومة الدفاع الوطني، يأتمر بإمرة القائد العام للقوات المسلحة، ويحصل على تمويله من ميزانية الدولة، ويتصدى مع جيشنا وباقي تشكيلاتنا المسلحة للفكر التكفيري المتطرف الذي تمت تغذيته واحتضانه في حواضن باتت معروفة”.

وسارع حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وينتمي إليه الرئيس الحالي حيدر العبادي، إلى المطالبة بقطع العلاقات مع السعودية.

وقال على لسان رئيس كتلته النيابية، خلف عبدالصمد إن “مجاهدي الحشد الشعبي الغيارى أثبتوا أنهم قادرون على تحقيق انتصارات كبرى تحفظ كيان وهيبة الدولة العراقية، وأنهم بمستوى عال من الوئام والتنسيق والعمل مع بقية قواتنا المسلحة من جيش وشرطة”.

ومن جهته دافع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي عن الميليشيات معتبرا أنّ “الإساءة إلى مقاتلي الحشد الشعبي بمثابة إساءة لجميع العراقيين”. وقال العبادي في اجتماع له مع قيادات الحشد “نرفض الأصوات التي لا تسمح للعراقي بأن يقاتل ويحرر أرضه ويشارك في المعارك”.

ويحتاج رئيس الوزراء العراقي بشدّة إلى مساندة قادة الميليشيات الأقوياء وذوي النفوذ الكبير المستمدّ من صلاتهم بإيران، للصمود في منصبه المهدّد بفعل الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية الطاحنة والتي أجّجت غضب الشارع ومطالباته بالإصلاح.

وأمام عجزه عن تنفيذ أي من الإصلاحات الكثيرة التي وعد بها، وجد العبادي في تصعيد الحرب ضدّ تنظيم داعش مهربا مناسبا من الأزمة، وهو ما يفسّر مبادرته إلى إطلاق معركة الموصل قبل استكمال معركة الفلّوجة.

كذلك لا تنفصل إثارة الخلافات مع بلدان الجوار، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، عن تكتيكات تصدير الأزمة الداخلية.

وبالتزامن مع الحملة ضدّ السعودية فاجأ حيدر العبادي المراقبين بتوجيهه تهديدا غير مسبوق لتركيا، محذّرا إياها من أن أي تمدّد للقوات التركية في مدينة الموصل سيؤدي إلى حرب هائلة غير حرب داعش.

وقال العبادي، في تصريحات نقلتها وكالة الفرات نيوز التابعة للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق بزعامة عمار الحكيم، إن “مخاوفنا من الأطماع التركية في الموصل حقيقية”.

ويستجيب حيدر العبادي بمثل هذه المواقف اللفظية من دول الجوار، لرغبة قادة الأحزاب الشيعية الذين ينظرون بريبة إلى أي جهد هادف لتحسين علاقات العراق بالبلدان السنّية المحيطة به، ويعتبرونه تهديدا لعلاقته القوية بإيران.

وكانت المملكة العربية السعودية قد أعادت في ديسمبر الماضي فتح سفارتها في بغداد بعد إغلاقها طيلة ربع قرن، وعينت على رأسها ثامر السبهان الضابط برتبة عميد الذي سبق له أن شغل منصب ملحق عسكري لبلاده لدى لبنان.

وفسّرت الخطوة السعودية باعتبارها بداية جهود لاستعادة العراق إلى الحاضنة العربية وتخفيف حدة تعرّضه للتأثيرات الإيرانية. ومنذ ذلك الحين يتعرض السفير السبهان وسفارته لحملة شرسة من شخصيات سياسية وقادة ميليشيات شيعية عراقية، ازدادت ضراوة بعد انطلاق الحملة العسكرية لاستعادة مدينة الفلّوجة من تنظيم داعش بمشاركة ميليشيات الحشد الشعبي، والتي أظهرت المملكة العربية السعودية خلالها دعما للعراق في محاربة الإرهاب، منتقدة في نفس الوقت مظاهر “تطييف” تلك الحرب من خلال تدخل إيران فيها عن طريق قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني.


العرب