للحظه يبدو من أنه ليس هناك الكثير مما يظهر حول أحد المنازل الثلاثة المجاورة في هذا الشارع السكني في مدينة الفلوجة العراقية. وأحد تلك المنازل هو أكبر من الآخرين، مع اثنين من الأعمدة الطويلة الممتدة على جانبي المدخل. في حين أن المنزل الآخر تبدو في عليه مظاهر متواضعة من اللون البيج، على غرار بقية المنازل في هذه المدينة، التي ظلت تحت سيطرة تنظيم "داعش" خلال العامين ونصف العام الماضيين.

 

ولكن خلف الأبواب الأمامية يقبع أحد السجون المؤقتة التي كان يستخدمها أفراد التنظيم في تنفيذ أفظع أنواع العقوبات التي عفا عليها الزمن. حيث يشكل السجن نافذة مروعة للحكم الوحشي للقانون الذي كان سائدا هنا قبل استعادة المدينة من المتطرفين، مع لمحة على نظام أحكام الإعدام والجلد والتعذيب.

كانت الفلوجة موطنا للكثيرين من قيادات "داعش"، وكانت من أولى المدن التي سقطت في أيدي التنظيم، وكانت أيضا مركز عملياته العسكرية في العراق. وذلك السجن هو أحد بقايا الخلافة المزعومة التي خلفها المتطرفون ورائهم حال موتهم أو فرارهم من المدينة والتي اكتشفت الآن على نحو بطيء، مما يسمح للقوات العراقية بإلقاء نظرة متفحصة على الأعمال الداخلية للتنظيم المتطرف.

وأثناء التجوال بين مباني المدينة منذ استعادة السيطرة عليها عبر الشهر الماضي، تكشف القوات العراقية تدريجيا عن مخابئ صناعة القنابل، والوثائق، والمخازن الأسلحة، والسجون على غرار هذا السجن - والتي كانت مخبأة في المنازل العادية لتفادي الاكتشاف والقصف من قبل الغارات الجوية.

يشير العقيد هيثم غازي، وهو ضابط استخبارات في وحدة الطوارئ والتدخل السريع التابعة للشرطة العراقية، من وراء أحد الأبواب في مبنى من المباني الصغيرة، ويقول: "يمكنك الإحساس بأنفاس السجناء في الداخل". والغرفة، والتي كانت غرفة للمعيشة فيما سبق على ما يبدو، خانقة للغاية، ولا تزال مفعمة برائحة العرق لأولئك الذين كانوا محتجزين هناك.

كان ضوء النهار قويا في الخارج، ولكن نوافذ المنزل مغطاة بألواح من المعدن. وأشعة الضوء القليلة التي تنفذ عبر الفتحات تلقي بضيائها على العشرات من قطع السجاد والستائر وقصاصات الملابس التي انطوت سويا لتستخدم كوسائد للنوم. وهناك العشرات منها مما يعطي انطباعا لعدد السجناء الذين كانوا محتجزين هنا.

كانت الردهة الخارجية محترقة، وتقول قوات الأمن العراقية إنها كانت على هذا النحو عندما وصلوا، رغم أن القوات الموالية للحكومة "الحشد الشعبي" تشعل النيران عمدا في بعض المباني في الفلوجة الأمر الذي تنكره قوات الأمن العراقية، إلا أنه في أعلى الدرج الحديدي المتصاعد، لا تزال الغرف العلوية تحتوي على بعض الملابس والمتعلقات الخاصة بالعائلة التي كانت تعيش هنا، وكانت متعلقاتهم متناثرة عبر الأرضيات والأسرة.

ويلفت العقيد غازي إلى أن الأوراق التي عثروا عليها في المنزل، الذي عثرت عليه قواته، تشير إلى اعتقال الكثير من الناس في المنزل في أعقاب النزاعات التي حكمت فيها محكمة "داعش" في المدينة. كان بعضهم مسجونا بسبب السرقة، والآخرين بسبب جرائم بسيطة مثل التدخين أو انتهاكات قوانين الملابس الصارمة للتنظيم.

وقال اللواء ثامر إسماعيل كبير قادة قوات الطوارئ والتدخل السريع الشرطية في المنطقة، أن القوات العراقية عثرت على "كنز من المعلومات" حول التنظيم في الفلوجة. ومن هنا، كانوا يوجهون المهام بتفجير السيارات المفخخة في بغداد وبعض العمليات الأخرى في سوريا. ولقد عثرت قواته على سجن مؤقت آخر في حي النزال بالفلوجة، ولكنه سجن أصغر في مساحته من ذلك المكتشف في حي المعلمين.

وقال اللواء إسماعيل: "إنني متأكد من أن هناك الكثير من هذه السجون هنا". وسمح ثقب كبير في جدار الحديقة، التي توصل إلى مبنى أكبر، للسجناء بالانتقال من منزل إلى منزل من غير الخروج إلى الشوارع، حيث يمكن كشفهم بواسطة المراقبة الجوية.

ولقد وضع لوح من الصلب على المدخل الرخامي في غرفة الاستقبال الرئيسية بالمنزل، وهي العلامة الأولى على أن ذلك المنزل ليس منزلا عاديا. وهناك باب للسجن بقضبان حديدية يتيح الوصول إلى غرفة أخرى تلك التي تضم ثقبا في الجدار لكي تتحول إلى صالة احتجاز كبيرة. وهناك قضبان حديدية مثبتة على النوافذ.

كانت البطانيات والملاءات مبعثرة على الأرضيات، إلى جانب عدد قليل من ثمار التمر، التي تعتقد قوات الأمن العراقية أنها كانت الغذاء الخاص بالمحتجزين في المنزل. كانت الصالات هنا أكثر تهوية، وربما أنها كانت مخصصة للمتهمين بجرائم بسيطة.

يقول العقيد غازي: "هناك ما هو أسوأ من ذلك، ليس لدى أولئك القوم أي إنسانية".

إنه المنزل الثالث الذي يبدو وأنه تم الاحتفاظ به لأسوأ العقوبات: حيث الحبس الانفرادي والتعذيب. وهناك سلسلة معدنية سوداء ذات خطاف في نهايتها معلق في بئر السلم. وهناك رافعة ملحقة في نهايتها.

يقول العقيد غازي، مشيرا إلى خطاف آخر معلق على مسافة قريبة: "كانوا يعلقون السجناء هنا من أرجلهم ويضربونهم". وفي الغرف العلوية، كانت هناك زنازين للحبس الانفرادي. وهناك غرفة تضم خمس زنازين – تتسع لبضعة أقدام قليلة ونصف قدم اتساعا. وكانت الأبواب والجدران من الصلب الصلد، مع فتحات علوية من أجل التهوية.

يقول العقيد غازي "كيف يمكنهم التنفس هنا في مثل هذه الحرارة؟" وكانت هناك خمس زنازين أخرى في الغرفة المجاورة ولكنها كانت أوسع قليلا.

كان السجن خاليا عندما وصلت القوات العراقية، كما يقول العقيد غازي. وهو لا يعلم ما الذي حدث لأغلب السجناء، باستثناء بعض مما يبدو أنهم أعدموا حال تقدم القوات العراقية داخل المدينة.

وفي المدرسة الموجودة على الجانب الآخر من الشارع، لم يكن من العسير العثور على جثثهم، حيث كانت تنبعث منها رائحة الجثث المتحللة. وفي فناء صغير كانوا متجمعين في كومة صغيرة داخل حفرة في الأرض. كانت هناك نحو سبع جثث منهم، كما يقول غازي، مضيفا أنه قد يكون هناك مواقع أخرى للإعدام حول ذلك السجن.

يبدو على أجسادهم آثار الهزال وتحول لون بشرتهم إلى البني الداكن، حال تحللهم في تلك الحرارة المرتفعة، في حين كانت العصابات حمراء اللون تغطي عيونهم.

كانت جثة أحد الرجال الذي يرتدي سروالا من الجينز وقميصا ممزقا على القمة. كان أنفه مجدوعا وهناك مقص معدني معلق في فمه حيث كان نصل المقص مستقرا في رقبته في صورة أخيرة من صور الهمجية المتطرفة التي نفذها فيه السجانون المتطرفون قبل هروبهم من المبنى.

(الشرق الأوسط - واشنطن بوست)