ننتظر خطابات  القادة والمسؤولين هذه الأيام، علّها تُشفي غليلاً، أو تُنبئ بخير، أو تدفع غائلة القهر والحرمان والضياع الذي تحياه الفئات الصامتة والمغولبة على أمرها من الشعب اللبناني بعموم طوائفه، فإذا بها تتمخّض عن الخيبات والويلات ،وآفاق مستقبلية موصدة.
أولاً: سقطُ القول..
كان صلاح عبد الصبور قد لاحظ منذ زمن قريب بأنّ "سقط القول" قد يعلو باجنحة من الترديد، وهذا ما دأب عليه مُدبّجو الخطابات المُملة والتافهة ، ولا تعدو كونها من سقط الكلام والقول، ويضيفون لها ما تيسّر من الزيف والبهتان. وقد ذهب إلى ذلك الجاحظ، فيرى بأنّ اللفظ الهجين الرديئ والمُستكره الغبي أعلقُ باللسان وآلفُ للسمع وأشدُّ التحاماً بالقلب من اللفظ النبيه الشريف ،والمعنى الرفيع الكريم، ولو جالست الجُهّال والسخفاء والحمقى شهراً فقط لم تنق من أوضار( اوساخ) كلامهم وخبال معانيهم بمجالسة أهل البيان والعقل دهراً، لأنّ الفساد أسرع إلى الناس وأشد التحاما بالطبائع.
ثانيا: الاطناب والإسهاب..
إذا كان الحُب يعمي عن المساوئ ، فالبغض يعمي عن الحقائق والمحاسن، وهم لشدّة ما يبغضون هذا الشعب، الذي بدا عليه التذمر ، وضاق ذرعا بهم، فهم يلجأون إلى طمس الحقائق  ويُظهرون له ما زيّنت اهواؤهم وأمانيهم، لذا يمعنون في الاطناب والتطويل في الكلام، وهذا ما عابتهُ العرب ونفرت منه،فقد ذكر ابن الأعرابي أنّه قيل لعبد الله بن عمر: لو دعوت الله لنا بدعوات، فقال: اللهمّ ارحمنا وعافنا وارزقنا.فقال رجل: لو زدتنا يا أبا عبد الرحمن: فقال، نعوذ بالله من الإسهاب، وكان "ربيعة الراي"، وهو إمام حافظ فقيه، وكان لا يكاد يسكت، وتكلم يوما فأكثر وأعجب بالذي كان منه، فالتفت إلى أعرابي كان عنده فقال: يا أعرابي ما تعدّون العيّ فيكم؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
ثالثاً: التكرار المحمود..
إلاّ أنّ إعادة بعض الألفاظ وترداد المعاني قد يكون محموداً إذا كان الكلام في الصفح والاحتمال وصلاح ذات البين، أو كان في الحمالات، أو تهدئة النفوس، لا ما يُنفخُ فيه للحضّ على الفتن وزرع الشقاق والبغضاء.
رابعاً: الدعوة لله وحده..
توالي الخُطب والظهور الإعلامي قد يُبرّرُه دعوة صالحة لله عزّ جلّ، ونقل عن عمرو بن عبيد حديثا عن النبي أنّه قال: إنّا معشر الأنبياء بكّاء ، أي قليلو الكلام، لذا كان الصالحون يخافون من فتنة القول وسقطات الكلام ما لا يخافون من فتنة السكوت ومن سقطات الصمت.
للأسف، يتمرغون بسقطات السياسة ، ويضيفون لها سقط القول ،وكان الله مع الصابرين، والعاقبةُ للمتّقين.