ينطبق مفهوم "كرة الثلج" على ملف الموقوفين الإسلاميين، الذين تتعاظم أعدادهم في السجون اللبنانية التي وصلت إلى مرحلة التخمة.

يفضل د. خلدون الشريف، المستشار السياسي للرئيس نجيب ميقاتي، إستبدال تسمية "المعتقلين الإسلاميين" بملف الطرابلسيين، في إشارة منه إلى النسبة الكبيرة من التوقيفات التي تطال أبناء المدينة. ويُقر السياسيون الطرابلسيون بقدرة هذا الملف في تشكيل الرأي العام الشمالي. ويؤكد عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش أن المعاملة السيئة للمعتقلين الإسلاميين، التي ظهرت في فيديوهات عدة في تموز/ يوليو 2015، هي ما سبب ردة الفعل السلبية ضد التيار وحلفائه. ويشرح: "عدم الحزم مع العناصر المخلة وإستمرار وزير الداخلية نهاد المشنوق بإطلالاته وكأن شيئاً لم يكن، دفعا أهالي الموقوفين إلى اعتبار تيار المستقبل مساهماً في الإجحاف بالحقوق". ورغم ذلك، يرى مستشار الوزير أشرف ريفي لملف الإسلاميين د. عمر الشامي، أن هذا الملف ما زال في بداياته، في ظل إرتدادات الحدث الإقليمي الضخم في سوريا.

المعتقلون فئات
مشكلة الإسلاميين في لبنان، ظهرت مع أحداث الضنية وما تلاها من إستهداف لمطاعم "بيتزا هات" و"كي أف سي"، وصولاً إلى نشوء ظاهرة "فتح الإسلام"، في مخيم نهر البارد عام 2007، التي شكلت علامة فارقة في سجل التوقيفات، وفق عضو "هيئة العلماء المسلمين" الشيخ نبيل رحيم.

ويتحدث الشامي عن فئات عدة من المعتقلين الذين ما زالوا في سجن رومية: مساجين القاعدة، مساجين "فتح الإسلام" الذين يغلب عليهم العنصر الأجنبي، وأنصار التنظيم السلفي الجهادي الذين أوقفوا بين 2007 و2010 وخرج أكثرهم من السجن. وبعد تدخل "حزب الله" في سوريا عام 2013، ظهرت فئة "النصرة" و"داعش"، التي يتجاوز عدد موقوفيها حالياً 500 عنصر من لبنانيين وسوريين، إضافة إلى معتقلي أحداث التبانة.

وهناك إتفاق بين الجهات الطرابلسية، على إختلافها، على عدم تغطية أي شخص مرتكب جرماً إرهابيّاً أو ضد الجيش. ولكن، في المقابل، هناك حديث متصاعد عن توقيفات تعسفية لأشخاص ليس لهم علاقة بالإرتكابات. ويروي الشيخ رحيم عن توقيف الأجهزة الأمنية بعض الشبان، وتحويلهم إلى قاضي التحقيق الذي لم ترك الأمر لرئيس المحكمة.

هذه العملية التي قد تطول من شأنها حرمان بعض الأبرياء من الحرية، لأن قانون العقوبات اللبناني الجديد لا يضع حداً أقصى لمدة التوقيف الإحتياطي في جرائم الإرهاب. ويؤكد الشيخ رحيم أنه في "ملف فتح الإسلام، صدرت أحكام بالبراءة بعد 7 سنوات من التوقيف، كحال الشابين محرز وسيف. وتتساءل أوساط الموقوفين عن التعويض المادي والمعنوي لهم عن سنوات التوقيف.

ولا يمكن تقديم إحصاء نهائي دقيق لعدد المعتقلين الإسلاميين، وفق المحامي زياد عجاج، الذي يتحدث عن صعوبة في التعامل مع الملفات القضائية. ويعود ذلك إلى أن البعض متهم بملفات مختلفة، كأحداث الفتنة الطائفية وعبرا.  وتواجه الجردة صعوبة إضافية ناتجة من وجود توقيفات جديدة وبصورة شبه يومية، وصدور أحكام جديدة عن القضاء.

وأحداث الحرب السورية أدت إلى ظهور مشاعر متعاطفة غذتها الإنقسامات المذهبية في الداخل، وكان بارزاً توقيف مجموعة كبيرة من السوريين. ويوضح الشيخ رحيم أن السلطات اللبنانية ما زالت ملتزمة بالمواثيق الدولية لناحية عدم ترحيلهم. في المقابل، يؤكد الشامي أن تدخل "حزب الله" في سوريا أدى إلى ردة فعل عكسية من المنطلق القائل: "لماذا مقاتل حزب الله يدخل سوريا ويعود بطلاً أو شهيداً، أما نحن فمصيرنا الإعتقال والسجون".

حسابات أكبر من طرابلس
الجو المقرب من الرئيس نجيب ميقاتي يعتبر أن بعض الجهات استغلت الحماسة الدينية لدى الشباب لجرهم إلى التطرف، ثم إلى السجن، والإستغلال، رغماً عنهم. ويرى الشريف أن هناك أيادي أمنية رسمية وغير رسمية وقفت وراء الملف من أجل إبقاء طرابلس ساحة مشتعلة بوجه حكومة الرئيس ميقاتي. ويرفض الشريف الحديث عن سياسي طرابلسي يقف وراء الأحداث كاملة. فدور السياسي، في رأيه، محدود. فهو يمكنه إمرار المال والسلاح والسيارات، لكن القرار يبقى أمنياً.

ويفضّل الشريف الحديث بصيغة المجهول. يُطالب مَن رفع هؤلاء إلى الشجرة إنزالهم، لأنه تم توريطهم بملف أمني بغطاء ديني. ويؤكد أن فريق ميقاتي قام بما عليه لتسريع المحاكمات من خلال إنجاز قاعة المحاكمات الكبرى، التي تتسع لعدد كبير من الموقوفين، وبعد ذلك استقالت، موجهاً إصبع المسؤولية إلى حكومة الرئيس تمام سلام ووزير العدل المستقيل أشرف ريفي والمحكمة العسكرية.

ويتحدث الشامي عن وقوف الوزير ريفي إلى جانب أهالي المعتقلين المظلومين، مشيراً إلى مساعيه لحل ملف معتقلي معارك جبل محسن والتبانة، الذين خرج معظمهم، لأنهم كانوا في وضع الدفاع عن النفس. ويلفت الشامي إلى أن الوزير ريفي كان أول وزير عدل أعطى مهلة للقضاء لإتخاذ أحكام بحق موقوفي "فتح الإسلام" لغاية أيلول 2015.

أوضاع إنسانية مقلقة
تنتمي غالبيّة المعتقلين الإسلاميين إلى الأحياء الشعبية الفقيرة المحاذية لجبل محسن، أي مناطق القبة والتبانة والمنكوبين والحارة البرانية التي شكلت في فترة من الفترات خطوط مواجهة خلال أحداث طرابلس.

ووفق القانون يسمح للأهالي بالزيارات ثلاث مرات أسبوعياً، الثلاثاء والخميس والسبت. وبسبب فقرهم وعدم قدرتهم على الإنتقال إلى رومية، جاءت فكرة الباصات المدعومة. وأخيراً، خصصت باصات من وقف الشيخ أحمد الحريري، والنائب السابق مصباح الأحدب، والرئيس ميقاتي، و"هيئة العلماء المسلمين"، والشيخ بلال شعبان. ما أدى إلى أزمة. وأمام هذا الواقع تلقت لجنة كل الموقوفين طلباً لنقل أربعة موقوفين من رومية إلى القبة لتسهيل لقائهم بأهاليهم.

ويشكل السجل العدلي النظيف أحد طموحات الموقوفين السابقين، كحال الذين خرجوا من السجن ولم يتمكنوا من الحصول على وظيفة بسبب فقدانهم للأهلية المدنية، والذين تفضّل غالبيتهم البقاء بعيداً من الأضواء. ومن المعاناة المتعاظمة مشكلة الكفالات، فبعض المعتقلين لا تتوافر لديهم مبالغ الغرامات لإخلاء سبيلهم. من هنا، إنطلقت محاولة عبر "إذاعة الكلم الطيب"، تحت عنوان "الغارمون"، لجمع التبرعات ولكنها لم تصل إلى غايتها.

وحر الصيف يزيد وطأة السجن على المعتقلين. ويتحدث الموقوف السابق أحمد ستيتة عن ورود طلبات لإدخال مراوح وشراشف وبرادات ماء إلى رومية، في بداية رمضان، مشيراً إلى وعد تلقاه المفتي من الوزير المشنوق. ويستذكر ما حصل في رمضان الماضي حيث بقي المعتقلون لأيام دون طعام بسبب إحضار الطعام عند العاشرة صباحاً وكانت تفسد بسبب الحر والإزدحام.

ويُعاني بعض أهالي المعتقلين من فقدان المعيل وعدم القدرة على تأمين الأدوية الأساسية. ويتحدث ستيتة عن جولات على المتبرعين لتأمين الأدوية.

تجمعات أهالي المعتقلين
لا يمكن الحديث عن مجموعة واحدة تتابع حقوق المعتقلين الإسلاميين، إنما هناك جهات عدّة تعمل بصورة مستقلة. ويكشف المعتقل السابق في رومية ستيتية عن محاولة لتوحيد الجهود، ولكن لم تتكلل بعد بالنجاح بسبب الإعتراضات. ويشير ستيتة إلى أن ما دفعه إلى التحرك كان تعاطفه مع الموقوفين الذين يتعرضون لمعاملة غير إنسانية، إختبرها وما زال يعاني من أعطال دائمة في كتفيه، داعياً إلى إعتماد أسلوب اللجان للتواصل الديبلوماسي مع المسؤولين كبديل لقطع الطرق.

مراجعة فكرية
بالنسبة إلى العديد من الإسلاميين الذين تم اعتقالهم، شكلت مرحلة التوقيف فرصة لإعادة النظر ببعض المسائل الفكرية الجوهرية، كحال الشيخ نبيل رحيم الذي أوقف لمدة ثلاث سنوات وسبعة أشهر بتهمة الإنتماء إلى تنظيم "القاعدة"، وأصدر المجلس العدلي منع محاكمته لعدم كفاية الدليل. ويدعو الشيخ رحيم إلى تحويل السجن في لبنان مدرسة إصلاحية، وإعتماد أسلوب الحوار والنقاش مع المعتقلين، لإقناعهم ببعض المسائل المُختلف في شأنها، حول مواضيع الحاكمية والجهاد والولاء والبراء.أعدادهم

 

بشير مصطفى