إحتاجت السياسة اللبنانية إلى عقد ونيف من الإقتتال الداخلي والخراب والدمار إلى أن اقتنع رجالها بأن النظام اللبناني فقد أهليته ولم يعد صالحا للاستعمال . من هنا لا نريد أن يسفك دماء داخل الطائفة لكي تعلم هذه القيادة أنه مضى عليها الزمن وهي في كل الأحوال ستتغير حسب القاعدة الالهية "وتلك الأيام نداولها بين الناس" أو حسب قانون الطبيعة وهو التقادم مع مرور الزمن وظهور طاقات شابة جديدة .

إذن، من هنا، لماذا لا تتغير القيادة بالسلم حسب قواعد الانتقال الهادئ والسلس للسلطة وبلا سفك دماء أو تركيب أفلام . لأننا أصبحنا نريد قيادة تخرجنا من الحرب إلى السلم وتعكس قراراتها أوجاع الناس وترفع الحرمان لكي لا نعود الى نقطة الحرب والاقتتال الداخلي كما حصل سابقا . لأن في هذه الطائفة نخب سياسية وثقافية ودينية ووعلمية وعالمية وحتى عسكرية ونخب نظيفة وطاقات كبيرة مغيبة وبشكل عمدي قد بدأت بالبروز ولم يعد أحد يستطيع أن يغرقها أو يغريها أو أن يقضي عليها .

 حتما، إن هذه النخب الصاعدة ستتصادم مع القيادة الحالية مدة من الزمن لتقتنع هذه القيادة أنه مضى عليها الزمن وأن الوضع لم يعد يحتمل بقائها في مواقعها وأن هذه القيادة قد أفرغت ما في جعبها وانتهت صلاحيتها ومضى عليها الزمن . إن القيادة الحالية لم يعد لديها ما تقدمه غير الكلام والشعارات والخطب . وحتى خطابتها وشعاراتها لم تعد بقياس المرحلة . فشعار أشرف الناس قد سقط أمام كل هذا الحرمان المدمر وشعار محور المقاومة قد سقط أمام التحالف الروسي الاسرائيلي الذي يتعمق في كل يوم . وشعار سنكون حيث يجب أن نكون قد سقط أمام ترك إيران لمعظم جبهات القتال إن لم نقل أنها هربت تجنبا من أزمة داخلية إيرانية ستكون مدمرة للوضع الداخلي الإيراني نتيجة الخسائر بالأرواح التي تمنى او يمكن أن تمنى بها القوات الإيرانية في حال وسعت مشاركتها العسكرية في الجبهات المشتعلة .

إذن، العلة في العقلية . كيف ؟ صحيح أن قادتنا تتدلى لحاهم، ولكنهم نظام كأي نظام عربي يعيد إنتاج نفسه عبر عدة عوامل، أهمها :

 1- الهيمنة على الطائفة ومقدراتها وافكارها ومواردها وتسخيرها وإنهاكها بحروب الغير .

2- الإثراء بشتى الطرق وإدارة ظهرها للمعاناة والحرمان التاريخي للطائفة بحجج وشعارات واهية وغير واقعية .

3- الترهيب عند الحاجة أو عند الطلب . والأخطر من ذلك كله أنها تستغل الدم الطاهر لتبرر استمرارها وبقائها غير الطاهر .

 لقد أفرغت هذه القيادة كل فشلها علينا، وأوصلتنا الى شلل كبير في الطائفة عبر اعتمادها سياسة التكفير التي تتبعها بوجه كل صوت يعلو من هذه النخب . والتهمة جاهزة على الدوام، وهي "شيعة السفارة"، وكأن هذه القيادة ليست مجرد أجير لدى سفارات أخرى ودورها الاستثمار في الدم الشيعي اللبناني لمصلحة مشغليها . ولكن مهما بلغوا ومهما استطاعوا الهرب بشتى الشعارات والخطابات فإنهم محكومون في النهاية بمواجهة "النهاية لهم" لأنهم لم يستطيعوا تمغيط الزمن إلى ما لا نهاية وقياس الماضي على الحاضر .

وكلما سدوا فجوه هنا انفجرت عشرات الفجوات والثقوب هناك وخير لهم أن يبدلوا في أقرب وقت ممكن وفي أول فرصة يستطيعون الخروج فيها من الحكم "بكرامتهم" ما دام لا يزال لهذه القيادة بعض النبض في العروق وبعض الإنجازات قبل طلوع الروح منها . ولكن العلة في العقلية مجددا، لأنهم اصبحوا كأي نظام عربي ولا يختلفون عنه إلا بأسمائهم ومعتقداتهم التي يستغلون شعاراتها كعدة شعل .

إنطلاقا من هنا، لا تراهنوا بعد على فقراء الطائفة الوديعين مجددا . لأن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تبقى هذه القيادة تعتقد وتمارس ما كانت تعتقده وتمارسه قبل الانتخابات البلدية التي عرتهم . ولأن هذه القيادة قسمت الطائفة الى قسمين، قسم من فوق "هي نفسها" وقسم من تحت هم المقاتلون وأهلهم والذين لا حول لهم إلا بالله . وفوق تعني الفريق الذي يتمسك بالقيادة وشعر بنعم ولذات الحياة والرفاهية، ويحشد حوله كل المنتفعين بها والمستفيدين منها . وهؤلاء لهم حزبهم الخاص . وتحت، يوجد سائر الناس والفقراء . والذين سوف يعطون إنتمائها وولائهم من جديد لمن يرون فيهم حافظين لمصالحهم وأتعابهم وما رزقهم الله . كائنا من كان .

وفي النهاية سأقول لهم : لا تراهنوا على وداعة الطائفه مجددا، لأننا سنصل جميعا بسبب ممارساتكم السيئة واستماتتكم للتمسك بالسلطة إلى طريق مسدود . و"عندها لن يكون التغيير إلا بفتح الطريق بالقوة واقتلاعكم" .

 بقلم صفوان عبد الحسنين