مد المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني جسرا جديدا للإسلام الشيعي السياسي في المنطقة الخميس بعدما أعلن دعمه لأعلى مرجع شيعي بحريني أسقطت المنامة الجنسية عنه قبل أيام.

ويؤكد موقف السيستاني، الذي لعب دورا حاسما في تشكيل ميليشيات “الحشد الشعبي” الطائفية في العراق، دعما دينيا إلى “أممية شيعية” تشبه مخرجاتها كثيرا “أممية شيوعية” سقطت مع انهيار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينات.

وأجرى السيستاني مكالمة هاتفية مع الشيخ عيسى قاسم، وأبلغه أن سحب الحكومة البحرينية لجنسيته “لا يضر به”، حسبما نقلت وسائل إعلام قريبة من قاسم، فيما لم تنف أو تؤكد المرجعية في النجف الاتصال الهاتفي.

وقالت تقارير إن “المرجع الديني الكبير السيد علي السيستاني، أجرى اتصالا هاتفيا بالشيخ عيسى قاسم.. وبعد الاطمئنان على صحته، أعرب السيستاني عن مودته الخاصة ومكانة قاسم في قلبه”.

وأكدت أن السيستاني قدم “شكره على جهود قاسم الكبيرة في الدفاع عن حقوق الشعب البحريني بالمنهج السلمي”.

وأكدت جمعية الوفاق البحرينية، التي تواجه الحظر أمام القضاء البحريني، مكالمة السيستاني لقاسم.

ولم تعد حدود دول المنطقة على ما يبدو حاجزا أمام رجال دين شيعة باتوا متمرسين في العمل السياسي المطبوع بصبغة طائفية من إيران إلى العراق والبحرين وسوريا ولبنان واليمن. وأثار سلوك السيستاني ردود فعل متباينة.

وقال مراقب عراقي لـ”العرب” لم يشأ ذكر اسمه إن “مشكلة رجال الدين، والسيستاني منهم، أنهم لا يعيرون أدنى اهتمام للقوانين الوضعية التي تنظم حركة الأفراد داخل المجتمع. هم يعتبرون كل ما يتعلق بهم شأنا دينيا، لا يحق للسلطات المدنية أن تضبطه أو توجهه الوجهة التي لا تلحق الضرر بالمجتمع″.

ولطالما أكد ممثلون للسيستاني على عدم تدخله في الشأن السياسي، لكنهم عادوا لاحقا وبرروا اشتباكه العميق بالأحداث السياسية والميدانية التي تعصف بالعراق منذ سيطرة داعش على أراض شاسعة في البلاد قبل نحو عامين، بذريعة الحاجة الظرفية إلى توجيه الشعب في لحظة تاريخية عصيبة.

وجاء اتصال السيستاني بقاسم بعد ساعات من تظاهرات ليلية في منطقة الكرادة بالعاصمة العراقية بغداد، الأربعاء، شارك فيها العشرات من عناصر ميليشيات "الحشد الشعبي"، تحت حماية أجهزة الأمن العراقية.

وجالت العشرات من السيارات منطقة الكرادة وهي تحمل ملصقات وأعلاما كتبت عليها عبارات طائفية، وتحمل اسم الميليشيات. وردد المشاركون شعارات منددة بالبحرين والسعودية، وأقدموا على حرق صورة للسفير السعودي في بغداد ثامر السبهان، مطالبين بطرده من العراق.

وقال المراقب العراقي لـ”العرب” إن “المكانة التي يحظى بها السيستاني هي في حقيقتها انعكاس للدور الذي يلعبه الرجل في قيادة الطائفة الشيعية. بهذا المعنى فإن الرجل لا يمكن أن يفكر أو يصرح أو يفعل بعيدا عن هويته الطائفية”.

ولم يتخذ موقف السيستاني تجاه قاسم طابعا قانونيا أو دبلوماسيا تقليديا، لكنه بدا تضامنا طائفيا بين رجلي دين شيعيين وهو الأمر الذي تسعى إليه إيران منذ عقود للوصول إلى “أممية شيعية” تغير الولاء الوطني إلى تبعية طائفية.

وشجعت خطوة السيستاني رجال دين وسياسيين على تصعيد موقفهم المعادي للبحرين.

ودعا مقتدى الصدر، زعيم “التيار الصدري” الذي يحظى بشعبية واسعة، أنصاره في العراق إلى الخروج في تظاهرات كبيرة، الجمعة، احتجاجا على قرار السلطات البحرينية إسقاط الجنسية عن قاسم.

وقال المراقب العراقي إن “الدعوة إلى التظاهر احتجاجا على قرار القضاء البحريني لا تكشف عن جهل عميق بالأعراف الدبلوماسية الدولية فحسب، بل تؤكد أيضا غياب منطق الدولة السياسي في العراق. فلو كانت هناك دولة حقيقية لما أمكن أن تسمح باستعمال مواطنيها في مثل ذلك المزاد الطائفي”.

وكانت إيران أول المحتجين على سحب جنسية قاسم. وهدد قادة في الحرس الثوري الإيراني بإشعال احتجاجات عارمة داخل البحرين، كما هاجم حزب الله الشيعي اللبناني قرار المنامة.

وقال مراقبون إن إيران ستكون حريصة على عدم تكرار خطئها الذي ارتكبته في حق السعودية، لكنها لن تتوقف أيضا عن التخطيط لإزعاج البحرين من خلال الميليشيات والأحزاب الطائفية في العراق.

وقال باحث عربي في شؤون الإسلام السياسي لـ”العرب” إنه “عندما يُطلب من المرجعية رأي يتعلق بالسياسة، خصوصا في الأجواء الطائفية كتلك التي تعيشها المنطقة، يحاول المرجع الديني الحفاظ على ثقله بين مقلديه”.

وأضاف “في ما يخص ما نُسب للمرجع السيستاني في شأن إسقاط الجنسية البحرينية عن قاسم، فليس بالضرورة أن السيستاني قد اطلع على تفاصيل القضية، وما هي دواعي الإجراء البحريني ضد قاسم، وارتباطه بحزب سياسي ديني ونشاطه بتأييد إيراني، إنما قال كلمته إجابة عن سؤال، أو النظر إلى منزلته بين مقلديه الذين لهم تبوأ كرسي المرجعية، على أن سكوته يُحسب كتأييد للإجراء ضد شخصية شيعية، ولا يحسب رجال الدين أن ذلك يعتبر تدخلا في الشؤون البحرينية، فهم ينطلقون من أممية المذهب، مع خطورة تجاوز الحدود الوطنية”.

 

 

العرب