اعتبر سياسيون يمنيون أن تقرير المبعوث الدولي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، الذي أحاط به مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء، بشأن "الأزمة اليمنية"، كان مخيبا للآمال، بل أعطى مؤشرات واضحة لشرعنة الانقلاب الذي قاده الحوثيون وقوات علي عبدالله صالح على سلطات الدولة الشرعية، وهو منحنى جديد يفتح الأبواب لصراع سياسي دائم في البلاد.

وأعلن الدبلوماسي الموريتاني عن خارطة طريق، تضم "تصورا عمليا لإنهاء النزاع، وعودة اليمن إلى مسار سياسي سلمي".

وتضمن المقترح "إجراء ترتيبات أمنية ينص عليها القرار 2216، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مسؤولية الإعداد لحوار سياسي يحدد الخطوات الضرورية للتوصل إلى حل سياسي شامل، بما فيها قانون الانتخابات، وإنهاء مسودة الدستور. كما أنه من الضروري أن يشمل الحل مشاركة المرأة والشباب ومشاركة جنوب اليمن.

انحياز مبطن وتدليل

وفي هذا السياق، اعتبر رئيس الدائرة الإعلامية لحزب التجمع اليمني للإصلاح، علي الجرادي، أن إحاطة ولد الشيخ بعد أكثر من خمسين يوما من تدليل وفد الانقلاب "يذكر اليمنيين بدور الأمم المتحدة ومبعوثها السابق في شرعنة تسليم العاصمة صنعاء باتفاق السلم والشراكة". في إشارة منه إلى جمال بن عمر، مبعوث الأمم المتحدة السابق لليمن.

ووصف الجرادي في تعليق نشره على حسابه بموقع "فيسبوك"، عدم إدانة تعنت وفد جماعة الحوثيين وصالح بأنه "انحياز مبطن لصالحهم". وفق تعبيره

وقال رئيس إعلام الإصلاح إن تحول الأمم المتحدة من كونها مخولة بتطبيق القرار 2216 إلى دور الوسيط والواقع في الحياد السلبي يعطي مؤشرا على أن "هناك رغبة بإطالة الصراع ومنح فرصه إضافية للانقلاب الحوثي في البلاد". على حسب قوله.

اتفاق لدمج الشرعية بالانقلاب

من جهته، أكد رئيس منتدى الجزيرة العربية للدراسات، نجيب غلاب، أن الإحاطة التي قدمها ولد الشيخ تمثل الحدّ الأدنى للخروج من مأزق الحرب والتحول إلى السلام، لكنها لم تتحدث عن أي ضمانات أو تضع تفاصيل للخطوط العريضة التي تحدث عنها.

لكنه استدرك قائلا إنها تعطي مؤشرا واضحا عن الانتقال إلى "اتفاق جديد يعيد بناء شرعية جديدة لا عودة الشرعية الحالية"، وهذا يشرعن لواقع مغاير يعيد دمج الانقلاب بالشرعية عبر توافقات تنقذ الدولة اليمنية بالحد الأدنى من الانهيار، وتفتح أبواب لصراعات سياسية مستدامة، حسب قوله.

وقال غلاب في حديث خاص لـ"عربي21" إن ولد الشيخ فتح المجال القوى اليمنية المتصارعة لإعادة ترتيب تحالفاتها خارج سياق الانقسام الحالي بين طرفين، إلى صراع يشتت الأطراف ويعمق الانقسامات، كفترة انتقالية قد يطول أمدها، مع وجود قوة ضابطة ستمنح لمؤسسة الأمن والعسكر، مع تواجد مليشياوي محدود للقوى المتنازعة. مؤكدا أن هذا المسار الأممي سينقل الصراع اليمني إلى مرحلة جديدة لن تحسم إلا بإقرار الدستور والوصول إلى انتخابات، وستمثل هذه النقلة مسارا جديدا لبناء الشرعية.

وأوضح رئيس منتدى الجزيرة العربية أن الرؤية الأممية ستكون خلاصة المشاورات، ومسألة تنفيذها تعتمد على مدى التزام الأطراف الدولية والإقليمية على ممارسة ضغوط فاعلة لتنفيذها"، منوها إلى أن "ضمانات التنفيذ تحتاج إلى عصا غليظة دولية وإقليمية لمعاقبة من يرفض أو يتلاعب في التنفيذ". 


ولم تستبعد قبول الأطراف اليمنية بالخارطة الأممية، لكن اعتراض الحوثيين وحزب المؤتمر الذي يتزعمه صالح على تفاصيلها سيكون حاضرا بقوة في المشهد.

 وحسب الأكاديمي اليمني، فإن هذا الأمر كفيل باستمرار حالة الصراع، التي من شأنها إبقاء سلطة الحركة الحوثية وحلفائها مسيطرة على العاصمة صنعاء، يقابلها ترتيبات تجريها الحكومة الشرعية في عدن، وبالتالي تبدأ معركة أخرى لتحرير صنعاء سيكون للجهود المحلية الدور الأبرز فيها مع دعم إقليمي ودولة للشرعية.

ولد الشيخ يبيع الوهم

وفي شأن متصل، يرى الدبلوماسي اليمني، عبدالوهاب العمراني، أن ولد الشيخ يسير على نهج سلفه جمال بن عمر، حينما كان متفائلا على طاولة الحوار الذي طال أمده في فندق (موفمبيك) بصنعاء، في الوقت الذي كان الرئيس هادي -المعترف به حينها لدى طرفي الانقلاب- تحت الإقامة الجبرية. مؤكدا أن كلا الرجلين.. دأب على بيع الوهم لليمنيين من سياسية تسويق الآمال، والتبشير بحل شامل مرتقب. 

واعتبر العمراني، في حديث خاص لـ"عربي21"، أن خارطة الطريق الأممية تعد نسخة مهذبة لـ"اتفاق السلم والشراكة" فكلاهما يخرج من فوة البندقية، أي فرض أمر واقع لصالح الحوثيين، سواء قبل الحرب بسقوط صنعاء، أو اليوم، بمحاولة شرعنة انقلابهم، استنادا على فرضية "الاستقواء والغلبة". 

وأشار السفير اليمني إلى أن الأمم المتحدة تناقض أدبياتها فيما يتعلق بالحالة اليمنية، مستدلا بأن إحاطة ولد الشيخ توحي -ومنذ بدء المفاوضات بين طرفي النزاع- بأنها "تسير بطرق التسوية السياسية السلمية، وفق الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية، وليس وفقا للفصل السابع "عقوبات"، الذي تقع اليمن تحت هذا البند.

ويلفت الدبلوماسي العمراني إلى أن دور الأمم المتحدة محدود، يتلخص -وفقا لميثاقها- في إحلال السلام بالوساطة بين الفرقاء المتنازعين، أما ما يتردد عن قيامها بـ"ترتيبات أمنية"، فهو بداهة مصطلح انقلابي بامتياز، بدأ المبعوث الأممي الترويج له اليوم، عبر خارطة الطريق التي أعلنها. مبينا أن "مربط الفرس" يكمن هنا، وهو ما يثير الشك والريبة حول ما يجري في دهاليز هذا المنظمة.

وأوضح أن مشاورات الكويت انعقدت لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جنيف 2 من بنود معلومة، تتمثل في مرجعيات ثلاث، هي: ( المبادرة الخليجية، والحوار الوطني، والقرارات الدولية )، وليس الالتواء عليها والتدليس، من خلال إعادة "اتفاق السلم والشراكة" سيئ الصيت، ما يفسر أن "هناك مسعى لفرض أمر واقع دولي يكرس لأمر واقع محلي، بناء على "سياسة الغلبة".

و"السلم والشراكة" هو عبارة عن اتفاق سياسي رعاه المبعوث الأممي السابق، جمال بن عمر، في اليوم ذاته الذي اجتاح فيه الحوثيون العاصمة صنعاء في 21 من أيلول/ سبتمبر 2014، ووقعت عليه الرئاسة اليمنية والقوى السياسية تحت ضغط المعطى الجديد في العاصمة.

  عربي21