تمهيد:

يبدو أنّ الطّيبي الذكر سايكس وبيكو ، كانا أكثر رأفة ودراية بنا من كيري ولافروف، اللذين ابتلانا الله بهما هذه الأيام، فسلفهما أنجزا اتفاقية رسمت حدود العالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، بأفضل الممكن يومها، ومع أنّ المنطقة كانت تعاني تخلفاً وفقراً عمره أكثر من ثمانية قرون، إلاّ أنّها لم تكن تعاني ما تعانيه المنطقة العربية اليوم من مجازر دامية، ودمار هائل، ومع ذلك فإنّ العزيزين كيري ولافروف يتبادلان النصائح ووجهات النظر، وإذا تلبّد الجو أكثر، وارتفع منسوب شلال الدم في سوريا، فإنّهما يتبادلان العتب الذي قد يصل إلى حدّ اللوم، والتشاور السريع، وإبداء الضيق والبرم ، ودائما مع إبقاء الوضع على ما هو عليه.

أولاً: كيري..

يبدو أنّه لم تعرف الإدارة الأميركية في تاريخها الطويل، ما عرفته في عهد إدارة الرئيس أوباما، من تردُّد، وتخبّط، واستهتار بحقوق الشعب العربي في وقف المجازر الدموية المُصلتة على رأسه، الإدارة التي لم يكن يرقد لها جفن عندما تسمع أنّ يهودياً سوفياتيا مُنع من مغادرة البلاد التي نشأ وتربّى وتعلّم فيها إلى مسقط رأس أجداده "فلسطين"، وهي التي أقامت جسراً جوياً لنجدة إسرائيل في حرب أكتوبر ١٩٧٣، وتعديل ميزان القوى في تلك الحرب، وهي التي قصمت ظهر القذافي بسرعة قياسية، في حين تعجز عن طاغية سوريا، الذي نعت شرعيته منذ الأيام الأولى للثورة، عندما فتح النار على المتضاهرين السلميين، وهي التي بلعت لسانها ومعه تهديداتها السابقة بعد استعمال الأسد للسلاح الكيماوي، وهي التي وقفت تتفرج على مبادرات المبعوثين الأمميين الذين استقالوا واحداً تلو الآخر ، بعد أن أعيتهم الحيل والسبل ،ولمسوا لمس اليد التلاعب الخطير الذي تلعبه الأمم بحقّ الشعب السوري المغلوب على امره، حتى وصلنا من يومين إلى سماع نكتة سمجة أطلقها كيري تقول بأنّ صبره شارف على النفاد من الانتهاكات الروسية لوقف النار، ومع ذلك فهاهي الطائرات الروسية لا تغادر الأجواء، بلا كلل أو ملل، زارعةًً الدم والدمار، ومحاولة إفهام الأميركين أنّ من يملك الأرض يملك الكلمة الفصل والأخيرة.

ثانياً: لافروف..

صحيح أنّ لافروف، ومن خلفه طبعا الرئيس بوتين، يعرف أكثر من زميله كيري ما يبغيه من تدخل روسيا في الأزمة السورية، ، فقد دخلت روسيا خضم الحرب السورية منذ اندلاعها وحتى اليوم، بالامداد العسكري واللوجستي والدبلوماسي في أروقة مجلس الأمن، إلى التدخل العسكري المباشر بسلاح الجو الروسي، إلاّ أنّها لم تغفل المسار التفاوضي السلمي، ومارست لعبة كسب الوقت وتعديل موازين القوى العسكرية على الأرض، والتمسّك برأس النظام بشار الأسد تارة، والإيحاء بالتضحية به تارة أخرى، حتى وصلت الأمور خلال اليومين الماضيين إلى قمة الاستهتار بسيادة سوريا وهيبة رئيسها، بوصول وزير الدفاع الروسي بشكل مفاجئ إلى دمشق، ليقرع باب الرئيس المرتهن للإرادة الروسية، هل التنسيق هو هدف الزيارة ، بعد هزائم ريف حلب الجنوبي، أم هو دليل الارباك الروسي في الساحة السورية؟، زيارة مفاجئة، ظهر خلالها بشار الأسد في أسوء حالاته، زيارة شبيهة بنكتة كيري السمجة، فوزير الدفاع الروسي، نفد صبره أيضا، فحضر بنفسه.

ثالثاً: كيري ولافروف، أميران، هلك والله القوم..

حفظ لنا تاريخ النزاعات بين المسلمين، أنّه عندما أزمع الخليفة الأموي يزيد بن معاوية مهاجمة المدينة، وأرسل إلى أهلها كتاباً يتوعدهم به، فلما أتاهم كتابه حمي القوم، فقدّمت الأنصار عبد الله بن حنظلة على أنفسهم، وقدمت قريش عبدالله بن مطيع، وكان عبدالله بن عباس بالطائف، فسأل عنهم فقيل له: استعملوا عبدالله بن مطيع على قريش، وعبدالله بن حنظلة على الأنصار، فقال: أميران! هلك والله القوم.

إذا كان ابن عباس قد تنبّأ بهلاك أهل المدينة بوجود أميرين، وهما من خيرة الأنصار والمهاجرين، فماذا ينتظر الشعب السوري على يد أميرين، واحد من اقاصي الغرب، والآخر من اقاصي الشرق، لا يجتمعان على حقٍّ أو باطل، بل يتجاذبان المصالح المتضاربة حينا، والمتقاربة حينا آخر، كان الله في عون الأمم التي تتواجه في سوريا باللحم الحي والأسلحة الفتاكة، برعاية الأميرين كيري ولافروف.