هي مستلقية طوال النهار، تتسطّح على الكنبة في غرفة الجلوس، وتنتقل منها إلى الفراش في غرفة النوم. لا تحبّ العمل خارج البيت كثيراً. تصل متأخّرة إلى عملها تؤدي واجباتها مرغمة وبتقاعس دائم، وكأنها تقوم بقصاص. تعود إلى منزلها حيث لا تفعل شيئاً. وفي حال فكّرت بالزواج، فإنها حتماً تنتظر رجلاً ميسوراً قادراً على القيام بمصاريف البيت وحده إذ يستهويها التوقّف عن عملها في الشركة، أو القيام بعمل سهل وبسيط في أفضل الحالات.يُعتبر الكسل نقصاً أو حتّى عيباً بنظر المجتمع وخصوصاً بنظر كلّ شخص نشيط ورشيق. ولا يقف الأهل والزوج والأبناء غير مبالين بكسل المرأة. فالحياة العصرية تتطلّب منها أن تكون جميلة وأنيقة، وأن تهتم بشعرها ولباسها وبنظافة وترتيب أظافرها، كما يُتوقع منها العمل خارج المنزل حيث يجب أن تكون دقيقة بمواعيدها ومنظّمة، تقوم بواجباتها على أكمل وجه.

وعليها عدم إهمال بيتها أيضاً، والاعتناء بزوجها وحسن التوفيق بين عملها خارج المنزل وداخله إذا ما كانت متزوّجة. كلّ هذه المسؤوليات والأعمال المترتّبة على النساء تتطلّب منهن أن يكنّ خارقات، يتمتّعن بالصبر وبحبّ الحياة وروح الطموح.

ولكن نعم هناك مَن تحبّ أن تمضي النهار من دون أن تفعل شيئاً. ولكلّ كسلانة أسبابها الخاصة.

يكرهن الأعمال المنزلية

تلتقي غالبية النساء الكسولات على كره الأعمال المنزلية. فـ«ماريا» في الـ 35 من العمر، متزوجة منذ 10 سنوات وأم لطفلتين. هي ربّة منزل، إذ تركت مهنتها في التعليم قبل أسابيع من زفافها لتتفرّغ للحياة الزوجية.

وتؤكّد في حديثها لـ«الحمهورية» «ليس لديّ الوقت لأعمل خارج المنزل، ولا أقوم بأعمال التنظيف إذ أكره ذلك. أستقدم فتاة 3 مرات أسبوعياً لتقوم بالتنظيف، وفي معظم الأيام لا أطبخ، فأنا لا أجيد الطبخ، بل أجلب الأكل يومياً من منزل أمي أو حماتي اللتين تتقاسمان مداورة مهمّة الطبخ لنا،

وفي عطلة نهاية الأسبوع نشتري «الدليفري»».

وغالباً ما تكون الكسلانة فوضوية وغير نظيفة، إذ لا تبادر إلى ترتيب محيطها والاعتناء به. فتتجاهل صفّ الثياب في الخزانة التي تتكدّس فيها الملابس مختلطة ببعضها وكأنها في الغسالة، ولا تأبه إلى تنظيف الحمام بعد استعماله حيث تخرج تاركةً المياه في الأرض بعد الاستحمام والمناشف المستعملة المتناثرة في الأرجاء، وتتأفّف من الجلي المتراكم. وقد يصل بها الأمر إلى الأكل على الكنبة وصفّ الصحون والأكواب في محيطها بدل لمّها.

لماذا الكسل؟

وتعاني نساء من عدم تمتّعهنّ بالدوافع الكافية التي تحثّهنّ على المضي قدماً في تحقيق أعمال أو إنجازات معيّنة. وتحتاج أخريات لمَن يدفعهنّ إلى الانجاز وإلى التشجيع الذي يفتقدنه في محيطهنّ.

وتشير نساء إلى أنهنّ لم يتربّين على القيام بالأعمال المنزلية، وعلى تحمّل المسؤوليات، فهنّ اعتدن منذ صغرهنّ أن يؤمِّن الأهل لهنّ كلّ حاجياتهنّ من دون أن يحرِّكن ساكناً. وطبعاً أولئك النساء يُدمنّ هذا النمط من «التنبلة» ويُصبحن غير قادرات على التخلّي عنه بسهولة. فليال تعمل كسكرتيرة لبضع ساعات حيث تجلس على كرسيها وتعود إلى منزل ذويها من دون القيام بأيّ حركة إضافية.

وتؤكد والدتها سهام لـ"الجمهورية" أنّها "بسبب كثرة الجلوس فقدت قوّة عضلاتها ومرونتها ما يجعلها غير قادرة على النهوض من الفراش في الصباح والإلتحاق بعملها بنشاط وحيوية". وتضيف: "هي تقوم بتأجيل أيّ عمل يترتّب عليها متحجّجة بنقص الوقت، بينما تمضي وقتاً هائلاً مستلقية في غرفة الجلوس تتصفّح مواقع التواصل الاجتماعي".

تميّز الأخصائية في علم النفس العيادي جوزيان حدّاد جابر في حديثها لـ"الجمهورية" بين الكسل والكسل المرضي. وتلفت إلى "وجود أشخاص يحبّون النوم والخمول أكثر من غيرهم وهذا طبيعي، ولكن عندما يتخطّى الكسل حدّه ليهدّد عمل الفرد وسلامة محيطه العائلي وعلاقاته مع الآخرين يصبح حالة مرضية".

وتؤكد أنّ «هذه المرأة قد تعاني من مشكلات نفسيّة وعصبية، وقد تكون غير سعيدة بنمط حياتها فتقرّر الإنعزال والكفّ عن خوض معترك الحياة بجهد كردّ فعل على واقع يضايقها.

وتضيف: "الخمول والكسل تعبير عن ألم تعيشه". وترى الأخصائية في علم النفس أنّ "الفوضى التي تنثرها المرأة من حولها تعبيرٌ عن الفوضى التي تحدث في بالها، فعدم راحة بالها قد تنعكس على شكل فوضى وكسل في المنزل".

وتشير حدّاد إلى أنّ "عدم سعادة المرأة بزواجها مثلاً وحملها في وقت لم تكن ترغب بالإنجاب، وعدم ارتياحها في عملها أمور تؤدي إلى تراكم، يدفعها إلى عدم القيام بأيّ شيء في منزلها، إلى حدّ عدم الاهتمام بالأولاد والكفّ عن تدريسهم والطبخ لهم... وتصبح الحالة تصاعدية إن لم تقرّر معالجتها".

الحلّ

«شفاء هذه المرأة يبدأ أولاً من رغبتها في التغيير، وبالتالي طلب الإستشارة النفسية، التي تساعدها على استيعاب الأسباب الكامنة وراء اضطرابها السلوكي. فحتّى لو لم تتغيّر ظروفها يمكن أن تتغيّر نفسيّتها في حال استوعبت الأمور التي تضايقها».

الزوج

وعن ردّة فعل الزوج في هذه الحال تلفت الأخصائية في علم النفس العيادي إلى أنّ الزوج "يتقبّل كسل زوجته المرضي في الفترة الأولى من بروزه فيحاول مساعدتها، ولكن عند تراكم الواجبات المنزلية عليه مثل تدريس الأولاد والطبخ والترتيب... يشعر بأنّه مضغوط، فتندلع المشكلات ما يهدّد سلامة العلاقة الزوجية واستمرارها، ويفسد حياة الأولاد".

(سابين الحاج - الجمهورية)