ثلاثون من كوادر المستقبل ومناصريه في البقاع غادروا التيار، الذي لطالما كانوا في طليعة منفذي أوامره على الأرض، من قطع طرق وإشعال دواليب. يشعر هؤلاء بالمرارة من «الوعود الكاذبة»

عفيف دياب

تعيش قواعد تيار المستقبل في البقاع حالاً من الضياع. لا يخفى وجود سوء فهم بين قادة التيار الازرق وقواعده الشعبية المتروكة لتواجه وحيدة مصيرها، باحثة عن مستقبلها السياسي والاجتماعي، بعد تدهور أحوالها الاقتصادية، على الأقل منذ عام 2005. وبعد فشل الاطراف المناوئة في استيعاب جمهور كان قد بدأ منذ نهاية 2009 يدرك مخاطر التجييش والتحريض المذهبيين عليه، وعلى يومياته الاقتصادية والاجتماعية، لم يعد يجد سوى الصراخ والتحدث بصوت عال عن اوجاعه وقهره، فيما صُمّت الآذان في قيادة التيار عن الاستماع الى هواجس مجموعة لا بأس بها من مناصري الرئيس سعد الحريري. كان هؤلاء ينزلون الى الشارع من دون تردد، ويلتفون حول «الأزرق» كحزام نار يحميه في معاركه السياسية، منذ احداث السابع من أيار 2008 حتى الشهر الماضي. ولأن الصمت لم يعد يجدي، اتخذ هؤلاء قرار الكلام المباح، واعلان الانشقاق عن تيار لم يعد يلبي طموحاتهم، او يحاكي هواجسهم السياسية.
أكثر من 30 شابا من كوادر المستقبل ومناصريه في البقاع اجتمعوا في منطقة دير زنون (بر الياس)، ووجهوا انتقادات لاذعة إلى التيار، بعدما فشلوا في ايصال رسالتهم مباشرةً الى منسقيتيه في البقاعين الاوسط والغربي، وابداء ملاحظاتهم على الاداء السياسي والتنظيمي.
ويقول سليمان عرفات، الذي يعدّ من «القوة الضاربة» على الارض في «مستقبل» البقاع الاوسط، إن محاولات «ايصال صوتنا الى القيادة المركزية في بيروت فشلت، والتجاوب معنا كان سلبياً». ويضيف: «تركَنا التيار بعد انتخابات 2009 وحدنا، ولم يكترثوا لنا». ويتابع: «التزمنا بالتيار وبمرشحيه على اساس وعود سياسية وتنموية، وأوصلنا سبعة نواب لا نرى وجوههم». واوضح أننا اكثر من 30 شاباً «تجمعنا وقررنا مغادرة تيار المستقبل، وهناك مجموعة اخرى اكثر عدداً منا تستعد للمغادرة». ويشرح عرفات أن المشكلة مع «المستقبل» تعود أساساً الى «تخلي التيار عنّا»، إذ «لا نرى احداً منهم الا حين يريدون منا قطع طرق وضرب عصي». ويكشف ان التيار طلب منهم اثر اغتيال اللواء وسام الحسن النزول الى الشارع وحرق الاطارات و«بعد يومين طُلبنا للتحقيق الأمني عند الدولة، ولم نجد مسؤولاً واحداً من التيار يسأل عنا».
حسين عاصي، أحد المنشقين، يقول إن التيار «يحكي معنا بلغة خشبية. ولم نعد نفهم عليهم ولا يفهمون علينا». ويؤكد أن المجموعة لم تنشق لأسباب مالية، على رغم أن معظم المنشقّين كانوا موظفين في شركات أمن تابعة للتيار او موظفين في مؤسسات قريبة منه و«أغلبهم اليوم عاطل من العمل». ويوضح نادر الحاج ان من اعتراضاتهم التي أبلغوها على نحو غير مباشر الى قيادة التيار في بيروت، ما يتعلق بأداء القيادة المحلية في البقاع الاوسط، لافتاً إلى ان «اداء التيار هنا سياسياً سلبي جداً، وللأسف اصبحت قيادتنا تشبه حزب البعث السوري، الذي يريدون مواجهته». وأكد ان لا أحد من المجموعة «يبحث عن منصب أو موقع. كل همنا ان يكون التيار في الموقع الصحيح والاداء السليم. تعبنا من الخطاب الطائفي والمذهبي. نحن نفتقد قيادة ومرجعية نظيفة».
منشق آخر شدد على «أن همّنا ليس المئة دولار كما يقولون. فبيوتنا مشيدة قبل وجود آل الحريري السياسي»، فيما يشير حسين شهاب الى أن تواصلاً جرى مع سمير ضومط وخالد شهاب في قيادة المستقبل في بيروت، لكن «للاسف كلامهما لم يكن مجدياً او نافعاً لنا. وتحدثا معنا بفوقية». وإذ أكد أن أياً من المنشقين لم يكن يتقاضى راتباً من التيار، أكد انه «اذا اراد التيار اموالا فنحن جاهزون للتبرع، لكننا لا نرى منهم ما يسهم في رفع مستوانا الاقتصادي والسياسي، وكل الوعود الانتخابية كانت كذباً». ويلفت شهاب الى «اننا نريد قيادة جديدة في البقاع تكون اقرب الى تطلعاتنا، وتقف الى جانبنا عند الشدائد». ويكشف عمر عرفات «اننا عندما نتعرض لمشاكل قضائية او اقتصادية لا نجد إلا جماعة 8 آذار قربنا، أو يحاولون مساعدتنا لحسابات خاصة بهم».
ولمجموعة المنشقّين الثلاثين قراءات سياسية ايضا. فاعتراضهم يبدأ من شكل العلاقة التي تربط التيار برئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط «الذي غدر بنا». ويوضح عرفات ان اخطاء التيار السياسية «كبيرة ولا تحصى، فقد تحالف مع جنبلاط وسمير جعجع، وهما تخليا عنا في احلك الظروف». ويضيف: «بعد احداث 7 أيار اتفق جنبلاط مع حزب الله على حساب دمائنا، والشيخ (سعد) الحريري زار دمشق من دون اكتراث لنا»، مطالباً التيار بحسم خياراته السياسية، إذ «لم نعد نقبل اللون الرمادي».