حط موسم كرة القدم رحاله من دون أن يتأثر بشيء، هدأت الملاعب وانفضت المدرجات، مضى الموسم بثقله وعربدته الكروية بصورة فريدة ومميزة، استأثر هذه المرة بكل التقدير والتنويه ونال رضى الجميع بمن فيهم الخبراء ومعظم الأوساط، إن كانت سياسية أو اجتماعية أو رياضية.
هذه اللعبة التي واجهت الكثير من المطبات قبل أن تنال مرادها، وتشتد في خواتيمها، وتبلغ الذروة في المنافسة والاندفاع وتقديم الأفضل على المستوى الفني والتكتيكي، في أجواء كرنفالية وجماهيرية يمكن أن تكون قد أساءت بطريقة أو بأخرى أحيانا من خلال خروج التشجيع عن إطاره الرياضي والمتابعة، لكنها بقيت ضمن الإطار الرياضي المقبول لأنها كانت تنتهي من حيث بدأت.
لقد عبرت الجماهير عن إرادتها واندماجها مع فرقها وأنديتها وقالت كلمتها في الأداء وخلال التتويج، لكنها لم تخرج الى الفلتان في ظل الظروف الحالية والأمنية الصعبة، ما يعني ان هناك نجاحا واستقطابا للعبة بالغين لم يسبق أن شهدته في السابق.
بطولة الرمق الأخير
حفل الموسم بالكثير، لم يكن لأحد أن يتوقع اسم البطل حتى ما قبل الأسبوع الأخير، اذ كان من النادر أن تبقى الأمور مبهمة حتى اللحظة الأخيرة، لذلك شهدت البطولة ومن بعدها الكأس مقاربات متعددة، بحيث يصح القول فيها إنها «بطولة الرمق الأخير»، بينما بقيت الكأس للكبار فقط .. من أجل الوقوف على منصة التتويج.
توج «الصفاء» بطلا وهو يستحق اللقب بجدارة وبتفوق، وحمل «النجمة» كأس لبنان بفضل جمهوره الذي لعب دوراً بارزاً في الضغط على لاعبي «العهد» (...)، لأنه وضع كل إمكانياته من أجل الخروج ولو بلقب واحد يعيد اليه التوازن والسمعة، وكافح «العهد» ليسجل اسمه على لائحة الفائزين فخطف «كأس النخبة» ومن ثم «السوبر»، لكنه تعثر في البطولتين الأهم.
أندية لها اسمها وتاريخها وجمهورها المميز ما كانت لتحصد ألقابها لولا باعها الطويل وما بذلته على صعيد الادارة والأجهزة الفنية ومن ثم المؤازرة الجماهيرية.
أسباب النجاح
قد يكون الموسم هو الأنجح منذ سنوات والأكثر متابعة وإثارة لأسباب عدة:
في البداية، فإن الأسابيع الأخيرة لـ «الدوري» فاقت التوقعات بعدما اختلطت الأمور وتبادل الجميع الأدوار واقتربت الفرق بعضها من بعض، الى ان كانت النهاية التي انحصرت فيها المنافسة بين «الصفاء» و «العهد» وتوج الأول بطلاَ للدوري، وهو أمر ان دل على شيء، فإنما يدل على الشفافية وعدم الانجرار وراء المغريات من أجل التلاعب أو التخاذل، ما سجل نجاحا ساحقا لم يسبق له مثيل.
ثانيا في الكأس، فإن وصول ثلاثة اندية هي «النجمة» و «العهد» و «الانصار» ومعها «الاجتماعي»، هو دليل على استرجاع هذه الأندية للزمن الجميل حيث احتكرت فيه البطولات وشدت الناس فارضة على الملاعب أجواء إيجابية عادت هذا الموسم لتطل برأسها ولتحول المباريات الى مهرجانات كروية حقيقية.
المنافسة بين المدربين
ثالثا، ان المنافسة بين الأجهزة الفنية وصلت الذروة، بحيث بات كل مدرب يعمل على كشف أخطاء الآخر، لذلك نجح اميل رستم كمدرب لـ «الصفاء» في الحفاظ على نوع من التفاهم والمودة بين اللاعبين، وأضفى على الفريق حالة من التآخي والتألق رغم الحالة المادية التي كان يمر بها النادي، واستطاع ان يوظف اللاعبين في المراكز المهمة، حتى ان رحيل نور منصور لم يؤثر على الدفاع الذي شغله البرازيلي راموس بامتياز وعلى تركيبته الفنية، بل على العكس فقد أنعش خزينة النادي وجيوب اللاعبين وكان ذلك حافزا مهما للفوز باللقب. بعكس جاسبرت الذي بدأ جيداً ثم انكشف بعد ذلك أمام تراجع «العهد» فنيا وبدنيا وذهنيا، وظهر الأمر في المباراة الحاسمة أمام «الصفاء»، ثم في نهائي الكأس أمام «النجمة»، حيث لم تشهد التشكيلة نقلة نوعية مميزة ان كان على صعيد التمرير أو الهجوم أو التهديف.
وتبين ايضا ان تيتو فاليريو كان ذكيا في «النجمة» الى حد بعيد، فهو على الأقل أوجد شخصية جديدة للفريق من خلال العمل المتمثل بتبادل الكرات والوصول الى المرمى وكيفية الفوز في الحالات الصعبة.
ثالثا، ان الموسم رسم خريطة طريق جديدة لعدد من الأسماء التي برزت ووضعت أقدامها على أول الطريق بشكل أنها باتت ملح المنتخب في المستقبل وعناصر سيكون لها دورها في القريب العاجل، مثل احمد جلول وحسن خاتون في «الصفاء»، ومصطفى بيضون وحسين حيدر ومحمد قدوح في «العهد»، ووسام صالح ومحمد السباعي في «الأنصار»، وقاسم الزين ومحمد مرقباوي وحسن العنان في «النجمة»، وعمر عويضة وحسين الدر في «الساحل»، وحسين العوطة في «النبي شيت» إلى مجموعة اخرى في أندية «طرابلس» و «الاجتماعي» و «الراسينغ».
السلبيات
تبقى المسألة في السلبيات التي أضرّت بعض الشيء في مجرى أحداث الموسم 2015 / 2016، وأبرزها الملاعب التي أضرّت باللاعبين والاندية على السواء، فغياب «استاد المدينة الرياضية» عن الساحة لأمور خارجة عن مجلس إدارتها، حشر الجمهور في أماكن اخرى لم تكن جاهزة لاستقبال مثل هذه الأعداد، وأدخل الاتحاد أحيانا في الحيرة بسبب النقص وتوزيع الملاعب، علماً أن «المدينة» ستكون جاهزة خلال نحو شهر لتعود بأبهى حلة.
كذلك، فإن عدم تطبيق نظام شبه احترافي سيبقي الأمور على حالها بعيدا عن التطور ومواكبة الدوريات المحيطة بنا، وإذا تم الأمر فإنه سيشرع الأبوب أمام دوري المحترفين وسينعش خزائن الأندية لأنه سيسهل عملية انتقال اللاعبين والاحتراف في الخارج، خصوصا ان معظم الدوريات العربية والآسيوية باتت دوريات ترعاها كبرى الشركات والمؤسسات لتؤمن مداخيل كبيرة وعملاقة.
لقد وعد رئيس اللجنة التنفيذية لـ «اتحاد كرة القدم» المهندس هاشم حيدر بأن يكون الموسم المقبل اكثر قوة وفي تصاعد مستمر، وهذا يعني ان هناك الكثير أمام كرة القدم اللبنانية لتقديمه، ان على صعيد الفرق او المنتخبات.