لم يكن أحدٌ أكثر حرصاً من محافظ بيروت زياد شبيب على تمرير حفل "دار الأيتام الإسلاميّة" بسلام. مع بدء الحفل الذي اتخذ ساحة الشهداء مقراً له، وأثناء تأدية النشيد الوطني، فاجأ شابان، يتقدّمهما الناشط طارق الملّاح، القائمين على الدار باقتحامهم المنصّة رافعين لافتات كتب عليها: "دار المجرمين بحقّ الأطفال".

  فتقدّم شبيب الصفّ الأوّل، غير آبهٍ بعدسات الكاميرات وعيون الحاضرين، وانقضّ على الملّاح نازعاً اللافتة من بين يديه، قبل أن يتكفّل مرافقو النائبين عاطف مجدلاني وعمّار حوري بالباقي؛ سحبوا الملّاح من كتفيه ورموه على الطريق تفادياً للفضيحة.  

هناك هجم "بلطجيّة" من المفترض أنهم عناصر في حرس بيروت وضربوهم، بعدما رفعوا الصوت عالياً مطالبين بحقوقهم، هم الذين أعلنوا سابقاً أنهم تعرّضوا للاغتصاب على مدار أعوام داخل الدار؛ أحدهم رُمي أرضاً، وآخر أُجلس في حوض أزهار، وثالث انتزع هاتفه بعدما حاول تصوير مشهد الضرب.

  يبدو كأننا في ساحة معركة وهناك ما يهدّد الأمن القومي: ففي غضون دقائق، امتلأت الطريق المُحاذية لساحة الشهداء بعناصر قوى الأمن الداخلي وشرطة البلديّة لقمع "شبه اعتصام" نظّمه ثلاثة شبان، نجحوا في تعكير صفو الحفل الذي يُخصّص سنوياً لتنقّل الشخصيّات البيروتيّة بين أطفال يُستقدمون من "الدار" لتأدية عروض غنائيّة وراقصة، الهدف منها: إظهار صورة جميلة عن "دار الخير"، وهي العبارة التي حرصت "الأيتام الإسلاميّة" على ملء شوارع العاصمة بها، لتحفيز الناس على التبرّع خلال الشهر الكريم.

  بالنسبة إلى محافظ بيروت "النشيد الوطني اللبناني مقدّس"، وتالياً لا يجوز التقليل من هيبة الدولة بـ"حركات معيبة أثناء تعبيرنا عن حبّنا لوطننا"، هذا ما ردّ به على "الأخبار"، ممعناً في وصف مشهد أفقده أعصابه الهادئة.

لا يرى شبيب أن دولة بلا مواطنين مصونة حقوقهم قد تكون أهمّ من دولة يُردّد نشيدها الوطني من دون أن يحترم فعلاً، ولا يجد أن جزءاً كبيراً من حبّ الوطن يتمثّل في إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه. يقول: "لقد دخلوا بلطافة رافعين لافتات عليها عبارات مسيئة. لو انتظروا انتهاء النشيد الوطني، لكنّا جلسنا معهم وتحاورنا".

يبدو أن قضية الاغتصاب داخل الدار جديدة على شبيب، فهو ينفي معرفته بها، رغم أنها ضجّت في الإعلام منذ سنتين وما زالت، ورغم أنه في الصيف الماضي منع الملّاح من المشاركة في نشاط "Beirut By Bike" الذي شاركت فيه الدار منعاً لأي سجال علنيّ. ينهي شبيب حديثه ممتعضاً: "هذا حجم القصّة: هناك إهانة للنشيد. شو قصّتك إنت؟ يلّا خلص دورك".

  ترفض "دار الأيتام" الردّ؛ يقول مديرها العام الوزير السابق خالد قباني قبل أن يرحل على عجلة مطمئناً من يسأل عن الأيتام بأن "حقوقهم مصونة"، ليلحق به النائب عاطف مجلاني، والمجلس البلدي في بيروت، وغيرهم من الشخصيّات.  

لم يدم الحفل أكثر من ثلاثين دقيقة، بدأ في تمام السابعة وكان من المفترض أن يمتد لأكثر من ساعة من الوقت. "الحقيقة" التي واجههم بها شبان تعرّضوا للاغتصاب وشتّى أنواع الانتهاكات على مدار سنوات داخل الدار لم ترُقهم. يقول طارق ملّاح لـ"الأخبار" إن "الهدف من التحرّك هو التذكير بقضيتنا، وخصوصاً في شهر رمضان الذي تمعن الدار في استغلال الأطفال خلاله، عبر حملاتها الإعلانيّة التي تبغي جمع التبرّعات التي لم نستفد منها يوماً".

لا يكترث بالضرب الذي تعرّض له على أيدي عناصر شرطة بيروت "لن نتراجع. لن نصمت. نحن أصحاب حقّ. والآتي أعظم".  

  ( الاخبار)