يمكن إعطاء طابع محلي احتجاجي لنتائج الانتخابات البلدية والاختيارية في طرابلس، ويمكن الذهاب أبعد من ذلك، وتحديدا نحو الخارج. منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها أشرف ريفي قراره بتشكيل لائحة تخوض الانتخابات في مواجهة محدلة الائتلاف السياسي العريض، راح كثيرون، في الأمن والسياسة، يبحثون عن "مربط خيل الرجل" وكيف يجرؤ على المواجهة ومن أين يستمد قوته، هل من جهة في السعودية أم من الإمارات أم من قطر؟

 

ينبغي التوقف عند نقطة مهمة وتتمثل في تفهم "القوات اللبنانية" لكل خطوة قام ويقوم بها ريفي، وذلك إلى حد التناغم والتكامل بين الطرفَين. يكفي تأكيد وزير العدل المستقيل على علاقته الإستراتيجية الثابتة مع "القوات"، وفي المقابل، الفرح "القواتي" المكتوم بظاهرة الضابط السني اللبناني الذي يتبنى "شعارات سيادية" بامتياز.

لم تنقطع خطوط التواصل بين ريفي والسعودية، أو بالأحرى بينه وبين جهة سعودية ما لا يفصح عنها علنا. كان يتباهى دائما بأمر علاقته بمحمد بن نايف، وهي علاقة بدأت منذ أن كان مديرا عاما لقوى الأمن الداخلي وتم تعيينه عضوا في المجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. صار اسم ريفي على "البورد" وأمكن له أن ينسج علاقات، خصوصا مع بعض كبار الضباط في المخابرات السعودية.

عندما استقال ريفي واشتدت الحملة عليه وقيل إنه لا يحظى بتغطية سعودية، استنجد وقتها الرجل بصورة جمعته بمحمد بن نايف يقدم له درعا في ختام ندوة أقامتها أكاديمية الأمير نايف، وراح البعض يردد أنها صورة من الأرشيف، بينما تبين أن تاريخها ليس بعيدا!

لم يكتفِ ريفي بالعلاقة التي حاكها من خلال موقعه الأمني، بل استفاد من "تبرع" أحد الوسطاء، وهو من "السماسرة" المعروفين على خط بيروت ـ الرياض (محمد بن نايف). لاحقا، ولأسباب مالية و"من أجل تعزيز المشروعية السنية"، حاول قرع أبواب عواصم خليجية أخرى، مستعينا بـ"القوات"، وهذه مفارقة قائمة بذاتها، عندما يصبح سمير جعجع مفتاحا، لا أن ينتظر هو موعدا يحدده له سعد الحريري في هذه الدولة الخليجية أو تلك.

في الإمارات، جرّب ريفي أن يلتقي مسؤولا أمنيا كبيرا، ولكن لم تفتح الأبواب، وعندما طلب الأقل رتبة (درجة ثانية)، جاءه الجواب نفسه. أدرك أن الإماراتيين لا يمكن أن يتصرفوا من رأسهم. هم لا يتصرفون إلا بموجب إذن سعودي، ولذلك، حاول قرع أبواب قطر، وهنا تختلف الروايات ولا أحد يملك جوابا دقيقا حول نتيجة هذا المسعى، لكن اللافت للانتباه هو تغطية محطة "الجزيرة" في يوم انتخابات طرابلس، فضلا عن إجراء مقابلة تلفزيونية معه، مساء أمس، أطلق خلالها مواقف سياسية، وأبرزها قراره بالترشح على رأس لائحة طرابلسية للانتخابات النيابية إذا جرت على أساس "قانون الستين"، وهذه خطوة ستجعل كل اللاعبين في مسرح طرابلس يعيدون حساباتهم.

بماذا يستفيد محمد بن نايف من تغطية ريفي؟

ثمة كيمياء واضحة بين رجلَي الأمن. القرار السعودي بإعادة ترتيب البيت السني في لبنان نهائي. مطلوب استيعاب الجميع. لا "فيتو" على أي طرف سني. زمن الحصرية والأحادية انتهى. لا رهان على قدرة سعد الحريري أو "المستقبل" على إحداث فرق لا في السياسة ولا "في الميدان". بهذا المعنى، بات أشرف ريفي يمثل النبض السني الرافض للتنازلات. يكفي أن يعطيه محمد بن نايف "ريقا سياسيا" من دون أن يدعمه في العلن. المطلوب من أشرف ريفي أن يكون جزءا لا يتجزأ من منظومة قيادية سنية تتنافس في ما بينها لتقديم الخطاب الأفضل، والنتيجة الأكثر ملاءمة للمصالح السعودية، ومن يعطِ أكثر يأخذ أكثر، ولا فضل لهذا على ذاك، إلا بالمردود!

بهذا المعنى، لا ينظر السعوديون إلى ريفي إلا بكونه "مشروعا صغيرا" حتى الآن. هو أول "جنرال" سني لبناني منذ الاستقلال يتحدى منظومة تؤمن مصالح الجمهور السني.. وينجح، برغم الحصار الذي يتعرض له.

هل هو جزء من "عملية انتقامية" أم من "عاصفة حزم" إقليمية؟

طالما أن السعودية في عقر دارها لم تعد واحدة، ليس غريبا أن تكبر ظاهرة لبنانية تحظى برعاية رمادية. يكفي أن يتبرع ريفي لأن يكون جزءا من عملية تصفية حساب مفتوحة بين محمد بن نايف وبين سعد الحريري، وأن يثبت مع الوقت أنه يصلح لأن يكون جزءا من مشروع مواجهة خصوم السعودية في لبنان. إذا نجح في هذا وذاك، يجد مكانا بين "المحمدَين"، ويتمكن من كسر حصار الحريري الذي أحكم إقفال أبواب ولي العهد الثاني بوجه ريفي حتى الآن، مستفيدا من نفوذ عادل الجبير في الديوان الملكي.

(السفير)