لم تزل الإنتخابات البلدية في طرابلس وما افرزته من نتائج مفاجئة مثار تحليل وبحث، ويمكن ملاحظة خطأين أساسيين تتحمل مسؤوليتهما قيادة تيار المستقبل وكانا مؤثرين في إحداث شرخ بين هذا التيار وجمهوره الذي انتخب اللائحة التي دعمها الوزير المستقيل أشرف ريفي. الأوّل، تراكم المواقف السياسية المفاجئة التي صدرت عن قيادة هذا التيار، من بينها تبنّي ترشيح النائب سليمان فرنجية، ولم يفهمه هذا الجمهور، فيما لم يبذل قادة "المستقبل" وكوادره السياسية أيّ جهد جدي لشرح هذا القرار الصادم للقاعدة كي تستوعبه. الخطأ الثاني الذي كان له الأثر في نتائج طرابلس، التحالفات التي انخرط فيها تيار المستقبل في "لائحة لطرابلس" وما قدمه من تنازلات لما يسمى أقطاب طرابلس على صعيد حصص المرشحين، علمًا أنّ مبدأ التحالف لم يكن مفهومًا من القاعدة. وأظهرت النتائج أنّهم لا يشكلون قوّة  بالمعنى الانتخابي الجدي لتبرير التحالف غير المفهوم.
هي إذًا رسالة إنذار للمستقبل بأنّ عليك أن تصوّب البوصلة السياسية، وهي تقول أنّ المزاج الطرابلسي والذي يشكّل أساس العصب السني، عصب يحدث ارتدادات في بيروت وطرابلس، يرفض المساومات الذي يسير فيه هذا التيار، فهو يذهب إلى التنازلات في مرحلة يرفض فيها الطرف الآخر ولا سيما حزب الله قبولها، بل يستمر في قرع طبول الحرب، سواء في سورية ضد الشعب السوري وهو الامتداد العميق للمدينة ، أو على المستوى اللبناني من خلال تبخيسه خطوة تبني ترشيح فرنجية وازدراء هذا التنازل الصادم للمزاج الطرابلسي والسني عمومًا. فضلا ان الحزب لم يعط "المستقبل" شيئا بالرغم من كل الليونة الحريرية في الحكومة وفي جلسات الحوار .. وكأنه مصرّ على ان يدفع  بالسنّة نحو المواجهة.

هي أيضًا في هذا السياق رسالة تهديد لحزب الله، إذ يجب ملاحظة أنّ الموقف الضدّ من حزب الله كان العنوان الأقوى الذي زاد من استقطاب اللواء ريفي، فالمزاج الطرابلسي لم يزل في حالة حرب مع النظام السوري وفي حالة مواجهة مع حزب الله الذي يخوض حربًا دفاعية عن هذا النظام، وهو دفع ثمن هذا التوتر في مدينة طرابلس في السنوات الأخيرة، وبالتالي في خضم المواجهة في سورية ومع استمرار قتال حزب الله في سورية من دون إظهار أيّ استعداد للعودة، بدا أنّ المزاج السني يقول أنّه من المبكر الحديث عن مصالحات ما دام الطرف الآخر مصرٌّ على قرع طبول الحرب.
مجددا هي رسالة تهديد لحزب الله، فالكتلة المعترضة والمكتسحة في انتخابات طرابلس لا تتسم بطابع ديني  أصولي أو سلفي أو جهادي، بل هي ذات سمة مدنية وهنا تكمن الدلالة التي يفترض أن تُقلق حزب الله، فهذا الجمهور المديني باتت نقطة استقطابه من يدعو إلى رفض المساومات مع حزب الله أو تقديم التنازلات له. وبالتالي فإنّ ما يمكن قراءته سياسيًا أنّ المدينة انحازت الى عقلية المواجهة. فقيادة المستقبل المستعجلة لإنجاز تسوية مع حزب الله، بدت لجمهورها أنّها بالغت في التنازلات فيما الطرف الأخر زاد في التمنع وفي الابتزازوالتعطيل، لقد تمّ ترشيح فرنجية وتمت التضحية ب14 اذار، والحكومة التي تنسب إلى تيار المستقبل قياسًا إلى حكومة الرئيس ميقاتي، هي إلى مزيد من العجز والترهل والى مزيد من ترسيخ المحاصصة بين اقطابها، وهي الحكومة التي قدّمت الغطاء عمليًا لقتال حزب الله في سورية، ولم تستطع أن تحقق مكسبًا في المقابل، سوى فتح الشهيات على المزيد من الغرق في المحاصصة وتعميق الأزمات.
كل هذا المشهد كان يتشكّل خلال العامين الماضيين، ليزيد من التململ والاحتقان لدى جمهور المستقبل، وفي موازاته كانت سلسلة من حلقات التواصل تفتقد بين القاعدة وقيادة المستقبل ووزرائها ونوابها، وساهم ذلك في نشوء نوع من الغربة بين مزاج الشارع السني المدني وقيادة تيار المستقبل. طرابلس المدينة تحتاج إلى تعامل أكثر من العصبية، الاعتراض كان يتجاوز البعد العصبي المذهبي بل كان ردًّا على محاولة ردم الهوة بين تيار المستقبل وجمهوره،عبر خطاب شدّ العصب سواء من خلال تبرير تحالف "لطرابلس" بالحديث عن جمع السنة ووحدتهم، أو من خلال تسمية زعيم السنة من السفارة السعودية.
الاعتراض خرج من داخل جمهور المستقبل، اي من القاعدة المتروكة لنفسها، بحيث استطاع من جاء ليستثمر هذا المزاج السياسي وينجح... هذا الاعتراض لما يزل في اطار الرسالة القاسية للمستقبل ومن جمهوره، لكن هي رسالة اعلان مواجهة ورفض من الشارع السني المعتدل في طرابلس لمسار المساومات والتنازلات مع استمرار قرع حزب الله لطبول الحرب.

 

 

علي الأمين : جنوبية