لا تعدو الشهادة الرسمية اللبنانية كونها "ختماً" معترفاً به محلياً وخارجياً. إذا كانت "البريفيه" دليلاً وحيداً للرقابة الرسمية على أداء المدارس الخاصة وأساتذتها، فإنّ الدولة نفسها تتخلى عن هذا الدور الرقابي في مراحل تعليمية أخرى عبر تشريع البكالوريات الأجنبية وخلق مسارات على هامش الشهادة.

  في النظام التعليمي اللبناني، تبدو الشهادة الرسمية ورقة عبور آمن وسليم من مرحلة إلى أخرى، وليست بالضرورة شهادة اكتساب معارف ومهارات.

إلاّ أنّ قيمة "البريفيه" تحديداً أنها الوسيلة الوحيدة لمراقبة أداء المدارس الخاصة وأساتذتها من سلطة "موثوقة" هي الدولة.

ليست رقابة بالمعنى الإداري، كما يشرح الباحث التربوي عدنان الأمين، بل إجبار كل المدارس على اختلاف أنواعها، تجارية كانت أو دينية أو تابعة لإرساليات أجنبية، على اعتماد المنهج اللبناني والكتاب الرسمي، لا سيما بالنسبة إلى تاريخ لبنان وجغرافيته والتربية الوطنية، في وقت تسرح فيه هذه المدارس وتمرح في السنوات التعليمية الأخرى ولا من يعرف أو يسأل ماذا تدرّس وكيف تدرّس، وليس هناك جهة رسمية تقيس مستوى التعليم الذي تقدمه وجدواه.

الوجه السلبي للمسألة المتمثل في القول إن مواد المنهج اللبناني هي نفسها مواد رتيبة و"بشعة" يجب ألا يلغي، بحسب الأمين، الدور الرقابي للدولة على التعليم، وهي غير معفاة في موازاة ذلك من إطلاق ورشة إصلاح للمناهج وأنماط التعليم وأنظمة التقويم.

يقول: "في نظام يغيب فيه التعليم الإلزامي وتقل فيه الرقابة على المدارس الخاصة وتكثر فيه القرارات المبنية على اعتبارات سياسية، كبديل واضح وقوي من تطوير نوعية التعليم، يجب التأكد من أن الحد الأدنى المطلوب مؤمن، لا سيما في ما يتصل بالهوية الوطنية والثقافة المحلية".

  لكن، في مرحلة تعليمية لاحقة، كثيرون يهجرون الشهادة الرسمية إلى "بكالوريات" غير لبنانية مشرّعة بقوانين مثل البكالوريا الفرنسية والبكالوريا الدولية، وأحياناً يشترون جنسيات أجنبية، للهروب من البكالوريا اللبنانية، بحجة أن مستواها متدنٍ وتقيس مهارات أقل؟

يجيب الأمين بأنّ ما يحصل في لبنان "مش طبيعي"، إذ ليس هناك دولة في العالم يملك أبناؤها، الذين يدرسون على أرضها، خيار عدم الخضوع للمنهج الرسمي للدولة، أما الحالات الخاصة مثل عدم القدرة على متابعة المواد باللغة العربية فهي استثناء ويجب إيجاد الحلول لها ضمن المنظومة نفسها، لا أن تشرّع لها شهادات خاصة بها.

يثير الباحث التربوي مسألة كيف أن المشرّع فتح مسارات تعليمية على هامش الشهادة الرسمية تعكس ظروف الطبقات الاجتماعية؛ فمن جهة سمح للفئة الميسورة بتجاوز المنهج اللبناني عبر البكالوريا الأجنبية، وسمح على خط مواز، للراسبين في الشهادة المتوسطة (فئة اجتماعية فقيرة في الغالب)، بالذهاب إلى التعليم المهني من دون حيازة الشهادة وفتح لها المسار على التعليم الجامعي.

  في البرامج الدولية يتعلم التلميذ كيف يتعلم  

في المقابل، ثمة في لبنان من يدافع عن تدريس البرامج الأجنبية "لما تحتله من مكانة عالمية وتحققه من إضافات على أساليب التقويم نتطلع لأن تتوافر في الشهادة الرسمية اللبنانية"، كما يقول الأمين العام لرابطة المدارس الإنجيلية نبيل قسطا.

يشير إلى أن البكالوريا الفرنسية هي من أقدم البرامج حيث بدأ العمل بأول صيغة منها عام 1808 وجرى تطويرها على مراحل عدة آخرها عام 1999، وهي تدرّس في أكثر من 480 مدرسة في 130 دولة خارج فرنسا، بإشراف وزارة التربية الفرنسية.

كذلك فإنّ برنامج الدبلوم في البكالوريا الدولية، تأسّس عام 1968 ويُدرَّس حاليّاً في 143 دولة حول العالم من خلال 2795 مدرسة، كانت قد خضعت لزيارات تقويميّة قبل منحها الموافقة على تدريس البرنامج.

يتحدث قسطا عن دراسة أجراها فريق متخصص من المدارس الإنجيلية أظهرت أن البرامج الأجنبية تركز على مهارة التعلّم وليس على المعلومة، إذ يتعلم التلميذ كيف يتعلّم، وكيف يتعامل مع البيئة التعليميّة المحيطة به، وأن يكون متقصِّياً ومفكّراً وباحثاً، وأن يكون مسؤولاً عن تعلّمه وليس متلقّياً فحسب. كذلك فإنّ هذه البرامج، تمنح، بحسب قسطا، التلميذ حرّية اختيار المواد التي يرغب في دراستها وَفقاً لميوله العلمية والتي يرغب متابعة دراسته الجامعية بها.

وهي تراعي التنويع في أساليب التقويم والفروق الفردية كي لا تكون الامتحانات لفئة أو لنوع معيّن من المتعلّمين، وكي لا يعتمد نجاح التلميذ على نتيجة امتحان كتابي واحد في يوم واحد.

  الجميع جاهز للامتحان

  في كل الأحوال، فإنّ مراعاة الفروق الفردية، وجعل المدرسة بيئة جاذبة، مطلب ينشده التلامذة.

تروي الناشطة الاجتماعية زينة علوش ما حصل مع ابنها جاد في اليوم الأخير للمدرسة في مونتريال ــ كندا. تقول إنه عاد إلى البيت بعد احتفال طويل و"كأنو الشمس فاتت عقلبو".علّق بنشوة وارتياح: "شو حلوة كانت هالسنة!".

سألته والدته، بكل أمومة بايخة، كما تقول، عن التحضيرات للبكالوريا، فأجابها: "ماما أنا جاهز".   جاد شامي كان تلميذاً في لبنان طيلة سنوات التعليم العام، وانتقل إلى مونتريال في كندا هذه السنة فقط حيث يتابع هناك البكالوريا ــ القسم الثاني.

في بيروت، كان جاد يحتاج إلى مساعدة أستاذ خاص إضافة إلى المدرسة، إذ لم يكن مرتاحاً لجوّ الصف وللطريقة التعليمية التي تعتمد تلقين مواد لا علاقة لها بالحياة اليومية.

يقول لـ"الأخبار": "هناك، في لبنان، نأخذ معلومات كثيرة ونخضع لساعات تعليم طويلة، ولكن كلو ما بيفيدنا بحياتنا. أما هنا فالوقت مرن والمواد مثيرة للاهتمام. العلاقة مع الأساتذة أفضل بكثير، فهم يهتمون بمساعدة التلامذة. يتذكر جاد كيف كان صف الفلسفة هذا العام مساحة لتطوير الفكر النقدي وكيفية النظر إلى العالم المحيط وتحليله مع أخذ مسافة موضوعية.

يقول: "أجرينا امتحانين تحضيريين bac blanc... وبالتالي فالجميع جاهز للامتحان".  

يقرّ إبراهيم عطوي، أستاذ تعليم ثانوي وناشط في المجال التربوي، بأن السير في خطة تقويم على مدار العام أو تنظيم مسابقتين تجريبيتين على الأقل يخفف من وطأة العامل النفسي السلبي الذي يسيطر على جو الامتحانات الرسمية ومن حالة الرعب التي يعيشها التلميذ.

في لبنان، يعيش التلامذة، بحسب عطوي، جوّ الإشاعات حتى لحظة دخول قاعة الامتحان "ساعة انو غيّروا نمط الأسئلة، وساعة انو في نماذج جديدة عم تتوزع رح تجي الأسئلة منها، وساعة معلمتنا قالتلنا كذا، وساعة فلان الفلاني قال كذا.. هيدي الأجواء ما بتجي من عدم.. لو في شغل واضح وصحيح من المركز التربوي ودائرة الامتحانات الرسمية ما بتفوت العالم بالحيط".

  حلول غير مكلفة   في الواقع، أبرز معضلة تواجه التلامذة في الامتحانات الرسمية هي التقيد بأجوبة جاهزة في ذهن المصحح حيث يجبر التلميذ على الكتابة بطريقة معينة ليأخذ العلامة الكاملة.

ففي دراسة أجرتها الأستاذتان في كلية التربية في الجامعة اللبنانية زينة حاجو وسمر زيتون عن مدى ثبات مستوى صعوبة الامتحانات الرسمية في مادة الكيمياء في الثانوية العامة، تبين أنّه ليس هناك مسودة (blueprint) لثبات قياس مستوى التقويم، فإعداد الأسئلة يتفاوت بين الدورات بحسب اللجنة الفاحصة التي تتسلم المادة.

بالنسبة إلى حاجو، هناك إمكانية لوضع حلول سريعة لمعالجة مشاكل الثانوية العامة لا تكلف الدولة شيئاً، وعدم انتظار التعديل الجذري للمناهج، وهي اعتماد البحث التربوي في السنة التعليمية التي تسبق صف الشهادة حيث يختار التلميذ الموضوع الذي يحبه، وتكليف لجنة رسمية في نهاية العام الدراسي لتقييم الأبحاث واحتساب علامتها في الشهادة الرسمية، والحل الثاني التخفيف من المواد الإلزامية التي قد يصل عددها إلى 13 مادّة، والاكتفاء بـ6 مواد أساسية تخدم الاختصاص، وفتح المجال أمام الطلاب لدراسة مادتين اختياريتين من اختصاصات أخرى، كأن يدرس طالب علوم الحياة مثلاً مادة الاقتصاد أو الاجتماع أو التاريخ أو الجغرافيا.  

امتحانات اليوم الأول

  انطلقت، أمس، امتحانات الشهادة المتوسطة (البريفيه) التي يشارك فيها 58432 مرشحاً يتوزعون على 397 مركزاً في لبنان.

الطلاب امتُحنوا في مادتي الرياضيات والجغرافيا اللتين جاءت أسئلتهما مقبولة، بحسب انطباعات المرشحين.

وزير التربية الياس بو صعب قال إن تطبيق الإجراءات اللوجستية التي اعتمدت للمرة الأولى في امتحانات هذا العام نجحت بنسبة 95%، في وقت شكا فيه الأساتذة من أن الأسئلة لم تصل في الوقت عينه إلى كل المراكز، إذ تراوح تأخيرها بين ربع ساعة وساعة كاملة، نظراً إلى عدم جاهزية العناصر الأمنيين نتيجة زيادة عدد المراكز.

وأشار مفتشون تربويون إلى أن اعتماد المراكز الصغيرة التي تضم 150 تلميذاً على الأكثر لم يعكس بالضرورة ضبط الغش، لكون الأمر متصلاً بصورة خاصة بشخصية المراقبين، فبقي هناك تشديد هنا ولين وتساهل هناك.

وسجل المفتشون شكوى بعض الأساتذة من أن المراقبين تبلغوا تكاليف المراقبة عبر الهاتف، وأن البعض حصلوا على أكثر من تكليف، إذ فوجئ رئيس مركز مثلاً بأنّه مكلف بثلاثة مراكز.

وعزا مراقبون ذلك إلى الاعتماد على برنامج المعلوماتية في توزيع المراقبين والتلامذة، ما أحدث إرباكات كثيرة.

إلاّ أن المفتشين رأوا أن وثيقة الترشيح الملونة المعتمدة حلت الكثير من المشاكل.

  (الأخبار)