أكّدت عودة المظاهرات، الجمعة، إلى عدد من مدن العراق أهمّها العاصمة بغداد ومدينة البصرة، فشل السلطات العراقية في تحويل الأنظار عن حركة الاحتجاج المتنامية في البلاد باتجاه معركة استعادة الفلّوجة، وهو ما سعت إليه حكومة حيدر العبادي بشكل واضح من خلال دعوة كان وجهها رئيس الوزراء للمحتجين لتأجيل مظاهراتهم إلى ما بعد المعركة.

وتظاهرت حشود من العراقيين، الجمعة، في وسط بغداد للمطالبة بإصلاحات وبتحسين أوضاع البلاد، وحاول بعض المتظاهرين اجتياز حواجز أمنية للوصول إلى المنطقة الخضراء التي تضم أهم المقرات الحكومية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، ما دفع قوات الأمن إلى إطلاق قنابل مسيلة للدموع لتفريقهم.

  وفي البصرة بجنوب البلاد تظاهر المئات قرب ديوان المحافظة وسط المدينة للمطالبة بتنفيذ إصلاحات على وجه السرعة.

  وتحدّت مظاهرات بغداد إجراءات أمنية مشدّدة قطعت قوات الأمن بموجبها ثلاثة جسور رئيسية تؤدي إلى المنطقة الخضراء بهدف منع اقتحامها من قبل المتظاهرين.  

وبعد الظهر، احتشد المتظاهرون في ساحة التحرير وسط بغداد مردّدين هتافات “بالروح بالدم نفديك يا عراق” و”نعم نعم يا عراق”.

  وحاول عدد من المتظاهرين عبور حواجز أسمنتية عند مدخل جسر الجمهورية بهدف التوجه إلى المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة ومجلس النواب.   وعندها أطلقت قوات الأمن عيارات نارية في الهواء أعقبها إطلاق غاز مسيل للدموع لوقف تقدم المحتجّين.   وارتدى بعض المتظاهرين أقنعة واقية من الغاز لمواجهة الإجراءات الأمنية.

  وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي استبق تظاهرات، الجمعة، متهما جماعات -لم يحددها- بنيّة القيام بتصعيد وصفه بـ”الخطير” في العاصمة بغداد.  

وقال بيان صادر عن مكتب العبادي، إن “رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، أصدر أوامره إلى وزارة الداخلية للقيام بمهامها في حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وسط بغداد، وذلك لانشغال القوات العسكرية وقيادة عمليات بغداد بعمليات عسكرية كبيرة لتحرير الفلوجة وقواطعها”.

وأضاف البيان أنه “تبين ومن خلال التقارير الاستخبارية أن جماعات معيّنة تنوي القيام بتصعيد خطير والبلاد في حالة حرب”.  

وأشار إلى أن “أي إرباك غير مقبول، خصوصا أن المندسّين وسط المتظاهرين، قاموا بالاعتداء على قواتنا الأمنية واقتحام مبان حكومية بالقوة الجمعة الماضية، مما يوجب منعهم وفرض القانون”.

  وإلقاء التبعة على مندسّين أصبحت ملازمة للخطاب السياسي العراقي المتعلّق بالمظاهرات التي يؤكّد منظموها أنّ تلك الحجّة تساق لتبرير قمع المتظاهرين.  

وكان العبادي ذاته قد دعا العراقيين إلى تأجيل المظاهرات الشعبية المطالبة بالإصلاح إلى حين استكمال معركة الفلوجة، وذلك في أوضح استثمار سياسي للمعركة التي مالت أغلب التحليلات إلى أنّ موعد إطلاقها في هذا التوقيت بالذات لا يخلو أصلا من غايات سياسية.

  وجاءت معركة استعادة الفلّوجة من سيطرة تنظيم داعش، التي أعلن رسميا عن إطلاقها بداية الأسبوع الحالي، في أوج أزمة سياسية غير مسبوقة وصراع بين الكتل والأحزاب الحاكمة وضعت الميليشيات المسلّحة المرتبطة ببعض الأحزاب الشيعية على شفا صدام مسلّح في العاصمة بغداد.  

ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية وتفاقم الأزمة الأمنية التي تجسّدت في سقوط المئات من الضحايا في هجمات منسوبة لتنظيم داعش على عدد من الأحياء في العاصمة العراقية، بدا الشارع العراقي مستنفرا لموجة جديدة من الاحتجاجات الغاضبة المنفلتة من رقابة بعض الجهات الدينية والحزبية وخصوصا تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي سبق له أن نجح في احتواء الاحتجاجات وقيادتها وتوجيهها.  

وقبل أيام قليلة من إطلاق معركة الفلّوجة قام متظاهرون غاضبون مطالبون بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين وتحسين الأوضاع الاجتماعية والأمنية، باقتحام المنطقة الخضراء المحصنة داخل العاصمة بغداد والتي تضمّ أهم مقرات مؤسسات الدولة والسفارات الأجنبية.

  وجاءت معركة الفلّوجة بمثابة متنفّس كبير وفرصة لحكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي ومن ورائها الأحزاب الشيعية والميليشيات المتنفّذة لتجنيد الشارع العراقي وراء صراع آخر على طريقة الشعار العربي المعروف خلال عقود خلت “لا صوت يعلو على صوت المعركة”.

  وبحسب معارضين عراقيين لحكم الأحزاب الشيعية في العراق، فإنّ الاستثمار السياسي في معركة الفلّوجة استثمار ظرفي قصير المدى وضيّق الأفق.

  ويرى هؤلاء أن نجاح معركة الفلّوجة، ومن بعدها معركة إنهاء سيطرة داعش على مختلف المناطق العراقية سيكون له مفعول عكسي، وأنّ مرحلة ما بعد داعش في العراق ستكون أصعب على الأحزاب الشيعية الحاكمة.

صحيفة العرب