نجحت دول مجلس التعاون وروسيا الخميس في وضع استراتيجية لبناء تحالف مشترك يقوم على سياسة النظر إلى “النصف الممتلئ من الكأس” وتحديد ما يمكن أن يجمع الطرفين للسير قدما في النواحي الاقتصادية والنفطية والعلاقات الثنائية.

ولا يخفي الجانبان الروسي والخليجي وجود خلافات بينهما من الصعب جسرها، وخاصة ما تعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، لكنهما يميلان إلى ترك الخلافات لعامل الوقت وللتشاور المستمر، والتركيز على تسريع خطوات التقارب.

وتبحث دول الخليج عن حليف وازن في ظل البرود الذي تشهده العلاقة مع واشنطن بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران وما رافقه من انحياز إدارة الرئيس باراك أوباما لطهران دون مراعاة مصالح الحلفاء العرب.

ويعطي التقارب مع دول الخليج روسيا الفرصة لأن تكون لاعبا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط تقبل به دول المنطقة وتراهن عليه لتعديل موازين القوى.

ونجح الاجتماع الرابع للحوار الاستراتيجي الروسي الخليجي الذي انعقد الخميس في موسكو بتحويل محاربة الإرهاب إلى هدف مشترك بين الطرفين رغم الاختلاف بشأن تصنيف فصائل من المعارضة السورية ضمن دائرة المجموعات الإرهابية.

وأكد وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف ونظيره السعودي عادل الجبير تطابق وجهات نظر أطراف الحوار الاستراتيجي حيال مكافحة الإرهاب.

وقال لافروف، لدى افتتاحه الاجتماع، إن المشاركين رحبوا بإنشاء التحالف الإسلامي في السعودية، ودعوا إلى تعزيز التنسيق في ما بين روسيا والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في سوريا.

ورغم اختلاف وجهات النظر في بعض المحاور إلا أن الأجواء الإيجابية جعلت الأطراف تركز على نقاط التقاطع.

وأضاف لافروف “أكدنا التزامنا بقرارات المجموعة الدولية لدعم سوريا ومجلس الأمن الدولي بشأن التسوية السورية، وأيدنا عملية البحث عن حل لإنهاء النزاع في اليمن وليبيا”.

وأشار الجبير إلى أن دول مجلس التعاون تسعى إلى بناء علاقات قوية مع روسيا في جميع المجالات، بما في ذلك في مجالات الاستثمارات والطاقة والتعليم والتعاون التقني والمشاورات السياسية، وذلك “خدمة لمصالح دولنا وشعوبنا”.

وأكد على أهمية التشاور مع موسكو حتى في الأمور الخلافية، مضيفا أن مجلس التعاون الخليجي يقدر موقف روسيا الخاص باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وبناء علاقات حسن الجوار (في إشارة إلى إيران).

ويرى المحلل الروسي المختص في شؤون الشرق الأوسط سيرجي ستروكان أن الاجتماع الروسي الخليجي نجح في وضع الخلافات جانبا وإفساح الطريق أمام المسائل المتفق عليها.

وقال ستروكان لـ”العرب” علينا أن ندرك أنه ليس من مصلحة أحد أن “نبقي فرص تعاوننا وعلاقاتنا مخطوفة من قبل نقاط الخلاف في سوريا أو غيرها مثلا”.

واعتبر مراقبون أن القيادة الروسية تقيم وزنا خاصا للعلاقة مع دول الخليج باعتبارها بوابة ضرورية لتطوير علاقة موسكو بالعواصم العربية المختلفة، فضلا عن مصالحها في ملف النفط، ورغبتها في الحفاظ على علاقات اقتصادية وعسكرية متطورة مع دول الخليج.

لكن الأهم أن الروس يسعون إلى تأكيد تمايزهم عن الموقف الإيراني في سوريا وفي المنطقة ككل، وأن التدخل العسكري هدفه الحفاظ على المصالح الروسية وليس تغيير موازين القوى بما يخدم إيران والميليشيات الحليفة لها في سوريا.

وقبل بدء العمليات في سوريا حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على التنسيق مع قادة خليجيين وعرب عبر إعلامهم بخططه قبل البدء في تنفيذها.

وحملت تصريحاته إشارات متتالية إلى أن موسكو لا تفكر في خوض حرب لخدمة إيران. وقال إن موسكو لا ترى فرقا بين الجماعات السنية والشيعية، وأن بلاده لا تريد التورط في حرب دينية في سوريا.

وأكد ستروكان أن هناك سوء فهم في العالم العربي عندما يتم ربط سياسة إيران بروسيا التي تصادف وجودهما معا في سوريا.

وقال إن “الروس أوضحوا أن لهم سياسة مختلفة عن إيران التي تتدخل في سوريا لتبقي الأسد، بينما القضية بالنسبة للروس هي إبقاء الدولة السورية بغض النظر عن الأشخاص”.

ومن أبرز نقاط الخلاف المؤجل حلها هي الوصفة النهائية لسوريا، فكل الأطراف متفقة من حيث المبدأ على تثبيت الهدنة لتصبح وقفا نهائيا لإطلاق النار والانطلاق الجاد في المفاوضات لإيجاد حل سياسي.

وتتمحور نقطة الخلاف بمستقبل الأسد، إذ أكد لافروف أن هذا الأمر يحدده السوريون بينما قال الجبير إن هذه النقطة لم نتفق عليها بعد، ومازلنا مصرين على أن الحل يتطلب إبعاد الأسد عن الحكم بعد تشكيل الحكومة الانتقالية التي يجب أن تدير المرحلة.

واستدرك الجبير قائلا “هذا الخلاف لن يفسد التعاون مع الأصدقاء الروس” بينما أبدى لافروف تفهمه لهذا الطرح البناء، لافتا إلى أنه ورغم وجود بعض الاختلافات بشأن القضايا الإقليمية فإن الأطراف توصلت إلى أكبر تفهم ممكن.

 

 

العرب