أثرت الأزمة التي تعصف بالتحالف الوطني (تحالف الأحزاب الشيعية الحاكمة بالعراق) على ميليشيات الحشد الشعبي التي كانت تتفاخر، فيما مضى بوحدتها في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

وتشق حالة من التوجس والريبة صفوف الحشد الشعبي، الذي تشكل عقب فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها رجل الدين الشيعي علي السيستاني، لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي تمكن في العام 2014 من السيطرة على مدن ومحافظات عراقية في ظرف وجيز.

ويسيطر اليوم شعور بعدم الثقة بين الفصائل الشيعية على ضوء الأزمة السياسية في البلاد، التي تأججت على خلفية الموقف المناوئ لعدد من الأحزاب الشيعية الحاكمة لتشكيل حكومة تكنوقراط، كان دعا إليها رئيس الوزراء حيدر العبادي.

ولم يعد بإمكان أبو فاطمة البديري أحد عناصر منظمة “بدر” التفاخر بانتمائه هذه الأيام بعد أن كان ذلك مدعاة للتبجح قبل شهور، فالخلافات الجديدة بين الفصائل الشيعية جعلته وأقرانه يتوخون الحذر من التيار الصدري.

ويقطن أبو فاطمة، وفق ما أورد موقع “نقاش”، في مدينة الصدر شرق بغداد حيث يسيطر التيار الصدري والفصيل المسلح “سرايا السلام” التابع له، وبعد الخلافات التي نشبت بين منظمة “بدر” والتيار الصدري، أصبح أكثر خشية على نفسه.

في المقابل فإن نعيم اللامي أحد عناصر التيار الصدري الذي يسكن حي الكرادة وسط بغداد أصبح هو الآخر أكثر حذرا، فهذه المنطقة تعتبر منطقة نفوذ منظمة “بدر”.

وظهر الخلاف بين الفصائل الشيعية بوضوح مع التظاهرات الشعبية التي قادها التيار الصدري والتي على إثرها اقتحم الآلاف من المتظاهرين الغاضبين المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، ولكن باقي الفصائل الشيعية رفضت ما جرى وسرعان ما انتشر المسلحون الشيعة في أحياء العاصمة وضواحيها.

وبعد يوم على اقتحام المتظاهرين من أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر للمنطقة الخضراء في الـ30 من شهر أبريل نشرت فصائل “بدر” و”سرايا الخراساني” و”سرايا الجهاد” المئات من مقاتليها في محيط بغداد وحول المنطقة الخضراء والأحياء القريبة منها، بينما نشر التيار الصدري مقاتليه من “سرايا السلام” في الشوارع أيضاً.

حاكم الزاملي أحد النواب البارزين في التيار الصدري طالب الفصائل بعدم التدخل في السياسة وحذّر من الاعتداء على المتظاهرين، ولكن الفصائل الأخرى اتهمت التيار الصدري باستغلال المتظاهرين للحصول على مكاسب سياسية.

متظاهرون آخرون تابعون للتيار الصدري اقتحموا مكاتب أحزاب “الدعوة” و”المجلس الأعلى الإسلامي” و”الفضيلة” في محافظة الديوانية جنوب البلاد، ودمّروا صور قادة هذه الأحزاب التي كانت معلقة على مبانيها.

ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن يتبادل قادة الفصائل الشيعية الاتهامات، وكل طرف ينتظر الفرصة لانتقاد الآخر، وتعمق الخلاف بعد توالي العمليات التفجيرية في العاصمة بغداد والتي شملت مدينة الصدر.

ويشكك التيار الصدري في أن التفجيرات المتواترة تقف خلفها جهات تريد وضع حد للاحتجاجات التي يشارك بها أتباع الصدر بكثافة.

وقد أدى هذا الوضع إلى عودة الاحتجاجات مجددا وبزخم أكبر، حيث استهدفت هذه المرة مبنى الحكومة في المنطقة الخضراء، الجمعة.

وسقط 4 قتلى وأصيب 90 آخرون من المحتجين خلال محاولة قوى الأمن التصدي لهم واخراجهم من مقر الحكومة.

وتتقاسم الفصائل الشيعية النفوذ في أحياء بغداد، ومثال ذلك أن مدينة الصدر تابعة الى “التيار الصدري”، ومنطقة الكرادة تابعة إلى منظمة “بدر”، ومناطق البلديات والمحمودية والوشاش تابعة إلى “عصائب أهل الحق”، أما المناطق الشيعية الأخرى فتشهد صراعا على النفوذ بين الجميع مثل البياع والشعلة وأبو دشير والحرية والشعب.

ويهدد الوضع السياسي المتفجر بين الأحزاب الشيعية، بانفراط عقد الحشد الشعبي، وسط تصوّرات تذهب إلى أبعد من ذلك وتقول بإمكانية حدوث اقتتال شيعي-شيعي في أيّ لحظة.

ويقول أحد المواطنين العراقيين والقاطن في بغداد لـ”نقاش” رافضا الكشف عن اسمه لدواع أمنية “بدأنا نخشى من الفصائل الشيعية، فالعشرات من المسلحين انتشروا في المناطق ولا نعرف لمن يتبعون.. كانوا على وشك التقاتل فيما بينهم”.

وجدير بالتذكير أن الخلافات بين الفصائل الشيعية ليست الأولى فسبق وأن اندلعت في أكثر من مرة وبلغت مداها في عام 2011 و2012 حيث تقاتل التيار الصدري و”عصائب أهل الحق” داخل مدينة الصدر، وقبلها في العام 2008 بين التيار الصدري و منظمة “بدر” في مدن جنوب البلاد.

واعتبر جابر المحمداوي، وهو رجل دين شيعي مستقل يعمل في تدريس المذهب الشيعي في النجف، في تصريحات لـ”نقاش” أن “الصراع بين التيار الصدري والفصائل الشيعية الموالية لإيران هو صراع عقائدي في الأساس يعود إلى عقود، فالتيار الصدري ضد فكرة ولاية الفقيه الإيرانية كما بدأ يرفض الهيمنة الإيرانية على البلاد”.

وكان أتباع الصدر قد رفعوا في مظاهرات مؤخرا شعارات مناوئة لطهران، وقد سارع مقتدى الصدر إلى التبرؤ منها، وسط أنباء عن وجود ضغوط إيرانية دفعته إلى ذلك.

والتيار الصدري من السكان الشيعة العراقيين وقادته هم عراقيون لم يعيشوا في الغربة إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين، بينما قادة باقي الفصائل الشيعية غالبيتهم عاشوا في إيران وسوريا ولبنان وأوروبا، ولهذا السبب يمتلك التيار الصدري الشعبية الأكبر بين الشيعة، وفق جابر المحمداوي.

ومن أبرز الفصائل الشيعية الموالية لإيران منظمة “بدر” بزعامة هادي العامري و”عصائب أهل الحق” بزعامة قيس الخزعلي، و”كتائب حزب الله” بزعامة أبو مهدي المهندس و”سرايا الخراساني” و”النجباء” بزعامة أكرم الكعبي.

ويقول محللون إن ما يفرق الميليشيات الشيعية، أكثر مما يوحدها وبالتالي فإن بقاءها ضمن هيكل ما يسمى “الحشد الشعبي” مسألة وقت.

العرب