«ساعة صفر» روسية جديدة في سوريا. هكذا يمكن وصف تصريحات وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بالأمس.

المسألة أكبر من مجرد مفاجأة سياسية، قد تحرّر الروس نسبياً من تفاهمهم مع الأميركيين، وتعيد بكثافة مقاتلات «السوخوي» وطوافات «كيه.إيه ـ 52» الى الانخراط الناري الموسّع في سلسلة الجبهات التي انتهكتها الفصائل الموالية للتحالف الاميركي ـ السعودي ـ التركي مستغّلة الهدنة «القسرية» في 27 شباط الماضي، والتي أربكت، كما هو واضح، اداء التحالف السوري ـ الإيراني و «حزب الله».

ومنذ هدنة شباط ثم اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 14 اذار الماضي، بدء سحب قوات روسية من سوريا، في رهان روسي على ما بدا وقتها، لدفع عملية التسوية السورية التي فتحت محطتها الجديدة في جنيف، كانت شحنات السلاح السعودية ـ الاميركية الجديدة قد توزعت على الفصائل «الجهادية» المعنية بعدما عبرت من الحدود التركية ومن الحدود الأردنية، بإطاحة كل مفاعيل الانجازات العسكرية التي راكمتها قوات التحالف السوري الإيراني ـ الروسي، منذ بدء «عاصفة السوخوي» في العام 2015.

هل استشعر الروس بـ «الخديعة» الأميركية الجديدة التي سمحت للفصائل المسلحة، بما فيها تلك التي ترفض واشنطن ادراجها على لائحة الارهاب، مثل «احرار الشام» و «جيش الاسلام» وغيرها، باشعال جبهات عدة ومحاولة اختراق حلب، وإعادة احتلال تل العيس وتدمير غرفة عمليات خان طومان؟ ام ان موسكو اكتفت بمهلة جس النبض فيما بعد اعلان الهدنة لاختبار خبث نوايا المفاوض الاميركي الذي تعهد ولم يوف، بدفع الفصائل السياسية المعارضة، والمسلحة ايضا، على الدخول جدياً في فلك عملية جنيف، أو أقلّه الالتزام بصمت البنادق في مختلف الجبهات السورية؟

قال بوتين صراحة بعيد الاعلان عن بدء انسحاب القوات الروسية في اذار الماضي، ان بامكان قواته، العودة الى تفعيل ضرباتها خلال ساعات. لكن يمكن التوقف عند تصريحات شويغو بالامس للاشارة الى ان وزير الدفاع هو من تولى الاعلان عن «ساعة الصفر» الجديدة في 25 ايار، وليس وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي يبدو عادة الممسك الاول بالملف السوري ديبلوماسياً، ما يعني ان الكلام الروسي خرج من الاطار السياسي الى نطاق التهديد العسكري الجديد، وإنما بمضامين سياسية أيضاً.

تقول تصريحات شويغو، بما فيها دعوة الأميركيين الى التعاون مع القوات الروسية في استئناف الضربات الجوية في 25 ايار، والتلويح الصريح بضرب قوافل المسلحين والشحنات العسكرية العابرة للحدود التركية نحو سوريا، ان موسكو استشعرت فراغا عبثيا احدثته جولات جنيف والخروج الهوليودي لجماعة «معارضة الرياض» من المفاوضات والخفة الاميركية ازاء ذلك، وتالياً ازاء السلوك السعودي.

وكما يقول مصدر مطلع فإن الخطاب الروسي الجديد يعكس جدية مختلفة في مرحلة ما بعد وقف الاعمال القتالية، يبدو ان موسكو راكمت خلالها سلسلة من المعطيات والبراهين في العلاقة مع الاميركيين، سواء في سوريا نفسها او وصولاً الى رومانيا وبولندا التي فعل فيها «الدرع الصاروخي» الأميركي، ولهذا تعتزم بناء على ذلك استثمارها للعمل وفق منهج جديد ميدانياً.

في كلام وزير الدفاع الروسي ايضاً محاولة روسية اكثر تركيزاً لانجاح عملية الفرز بين من التزم من الفصائل بالهدنة وبين لم يلتزم، وهو نداء رددته موسكو مراراً خلال الاسابيع الماضية مناشدة الاميركيين العمل على تحقيقه من دون نجاح يذكر. كما يريد شويغو ايضا تخطي محاولات واشنطن لمنع تصنيف منظمات محددة بالإرهاب، اذا تذرع الاميركيون عندما طرحت المسألة الاسبوع الماضي في نيويورك، بقلقهم على استقرار الهدنة!

وليس خافياً ان الروس يأملون بادراج «جيش الاسلام»، الذراع السعودي، و «احرار الشام» المتعدد الولاءات والمتحالف علانية مع «جبهة النصرة»، لكن الروس يراهنون ايضاً على تجريم منظمات اخرى من بينها الحزب التركستاني و «جند الاقصى»، ومحاولة عزلها عن المنطقة الرمادية التي سمحت لها بالتحرك ما بين الاستفادة من الهدنة والشروع في معارك تحالفت فيها مع «النصرة» و «داعش».

«انعطافة كبيرة» في الموقف الروسي، يقول المصدر، ذلك ان موسكو كانت فرضت على حلفائها في دمشق وطهران مجموعة من المحددات القاسية منذ اعلان الهدنة في شباط، والزام العاصمتين بتفاهمات لافروف مع نظيره الاميركي جون كيري على امل دفع اجواء التسوية السياسية التي دفنها لاحقا رجلا السعودية محمد علوش ورياض حجاب في جنيف، ثم استكملت عملية الدفن من بعدهما في تصعيد الفصائل المسلحة لجبهات سورية عدة، وتحقيق فصائل الارهاب مكاسب هائلة على الارض، لتصل الذروة في المواقف التراجعية التي اطلقها كيري في اجتماع فيينا الاخير قبل ايام، بشأن مهلة التسوية السياسية وتجديد الحديث الاميركي ـ السعودي عن عملية انتقال تستبعد الرئيس بشار الاسد.

ولم تتوقف الخيبات الروسية، اذ تبعها تصريح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا عن احتمال الا تستأنف المفاوضات السورية قبل رمضان، ما يضفي على كلام الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله بالأمس، عن خطورة ما يحاك في سوريا وضرورة مواجهته مباشرة، معان تشي ببداية صيف ملتهب.

ومن المحتمل وفق تصريحات شويغو، رؤية جسر جوي روسي اكثر نشاطاً في الأيام المقبلة لعودة مقاتلات «السوخوي» المتنوعة المهمات، او كما يقول خبراء عسكريون، نشاطاً اكبر للطوافات القتالية من طراز «إم.آي – 28 إن نايت هانتر» و «كيه.إيه ـ 52 أليغيتور» التي تؤكد تزايد المساندة الروسية لهجمات القوات على الارض، سواء انطلاقا من قاعدة الشعيرات في ريف حمص او في قاعدة حميميم الجوية.

وكان شويغو اعلن، خلال اجتماع عسكري في موسكو، «إننا نقترح على الولايات المتحدة، بصفتها الرئيس المناوب في مجموعة دعم سوريا، الشروع في العمل المشترك بين القوات الفضائية الروسية وسلاح الجو التابع للتحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن، للتخطيط وتوجيه غارات إلى فصائل جبهة النصرة والتشكيلات المسلحة غير الشرعية التي لا تدعم نظام وقف الأعمال القتالية، وإلى القوافل التي تحمل أسلحة وذخيرة، وإلى الفصائل المسلحة التي تعبر الحدود السورية ـ التركية بصورة غير شرعية، مع ضمان عدم استهداف المنشآت المدنية والمناطق المأهولة بالسكان».

وحث شويغو واشنطن على إقناع فصائل المعارضة السورية التي لم تنضم للهدنة بعد، بالإقدام على هذه الخطوة قبل الأربعاء المقبل. وأعلن أن «روسيا تحتفظ بحقها في توجيه ضربات بشكل أحادي إلى فصائل التنظيمات الإرهابية، والتشكيلات المسلحة غير الشرعية التي لم تنضم للهدنة، بدءاً من 25 أيار».

وكشف أن روسيا بدأت، أمس الأول، بتنسيق الإجراءات المشتركة المقترحة لمحاربة الإرهابيين مع الشركاء الأميركيين العاملين في مركزي عمان وجنيف، مضيفاً «إننا نعتقد أن اتخاذ هذه الإجراءات سيسمح بإطلاق عملية التسوية السلمية للنزاع في كامل أراضي سوريا»، مؤكداً أن القيادة السورية وافقت على هذه الإجراءات.

وحذر الوزير الروسي من أن تسلل مسلحي «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» عبر الحدود التركية – السورية من دون أي عقبات، يعد عاملاً يزعزع الوضع في سوريا، «علما بأن عمليات التسلل هذه تسمح للإرهابيين بتلقي التعزيزات والتعويض عما يخسرونه من الأسلحة والآليات القتالية والذخيرة، وهو أمر يساهم في تعزيز قدراتهم القتالية ويدفعهم لمحاولة الاستيلاء على مزيد من الأراضي».

واشنطن

سارعت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى رفض الاقتراح الروسي، مشددة على أن الولايات المتحدة «لا تتعاون» عسكرياً مع روسيا في هذا البلد. وقال المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس «لم أشاهد سوى المقالات الصحافية نفسها التي شاهدتموها، لم نتلق أي شيء رسمي». وأضاف «لا نتعاون ولا ننسق مع الروس في شأن العمليات العسكرية في سوريا.

كما اعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنه لا يوجد اتفاق على القيام بضربات جوية مشتركة في سوريا، مضيفة أنها تتطلع إلى أن توقف روسيا انتهاكات الحكومة السورية للهدنة. وقال المتحدث باسمها جون كيربي «لا يوجد اتفاق لشن ضربات جوية مشتركة مع الروس في سوريا. ما نناقشه مع نظرائنا الروس هي مقترحات لآلية مستدامة لتعزيز مراقبة وفرض اتفاق وقف الاقتتال».

من جهة ثانية، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحافي في بروكسل، أن الحلف قد يوسع مشاركته في الحرب بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا بنشر طائرات استطلاع متطورة.

وأشار ستولتنبرغ إلى أن طائرات مراقبة من طراز «أواكس» يمكن أن تقوم بطلعات فوق «مناطق للحلف الأطلسي وفي أجواء دولية» لدعم الحرب ضد التنظيم.

إلى ذلك، ذكرت حملة «الرقة تذبح بصمت» و «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن طائرات التحالف الدولي ألقت أمس الأول للمرة الأولى مناشير طلبت خلالها من سكان مدينة الرقة، معقل «داعش» في سوريا، مغادرتها.

 

 

(السفير)