أثار قرار وزارة التربية والتعليم في دمشق فرض تعليم اللغة الروسية في الصف التاسع ليضاف إلى صفي الثامن والسابع اهتمام المتابعين للشأن السوري.

ورأى العديد أن دمشق بهذا الخيار تنزع إلى برمجة جيل قادم يتقن اللغة الروسية ضمن خطة مشتركة تشرف عليها العاصمتان لجعل الخيار الروسي للمواطن السوري إلزاميّا وجزءا من التربية والتعليم القهري، ولا يأتي وفق سياق طبيعي في إطار علاقة طبيعية تحددها شروط السوق والتبادل الاقتصادي والمعرفي.

وقصة السوريين مع اللغة الروسية بدأت منذ ازدهار علاقة النظام السوري مع الاتحاد السوفييتي، لا سيما في ثمانينات القرن الماضي، حين بدأ إرسال الطلبة السوريين للتخصص في المعاهد والجامعات السوفييتية، الأمر الذي أدى الى انتشار اللغة الروسية لدى الخريجين العائدين.

وتسجل اليوم رغبة محمومة لدى كل من دمشق وموسكو في نشر اللغة الروسية وجعلها جزءا من البرامج التعليمية الرسمية في المدارس السورية، وتقديم حوافز للمتفوقين والمبدعين لتمضية فترات من التدريب والخبرة في ربوع روسيا.

ويقول المراقبون إن الطرفين يسعيان لتطوير زواج المصلحة إلى ما هو تجذّر روسي ثقافي ولغوي داخل النسيج الاجتماعي والثقافي السوري.

وتعتبر روسيا سوريا منطقة نفوذ رئيسية لها في الشرق الأوسط وتملك هناك قاعدة عسكرية وحيدة لها مطلة على البحر الأبيض المتوسط. وقد عززت موسكو حضورها العسكري في سوريا في نوفمبر الماضي، ونجحت إلى حد بعيد في إيقاف انهيار الجيش السوري، قبل أن تعلن مع انطلاقة مفاوضات جنيف في مارس قرارها بسحب الجزء الأكبر من العتاد الذي أرسلته إلى سوريا.

ورغم ذلك ماتزال تحتفظ بقوة هناك لحماية مصالحها والتي تؤمن بأنه لا تحصين لها فقط بالثقل العسكري وإنما أيضا بالثقل الثقافي والتربوي.

ويُنقل عن وزير التعليم في نظام دمشق تصريح يؤكد من خلاله أن لا نقص في الكادر التعليمي للروسية، ذلك أن أنباء قالت إنه تم استقدام أكثر من 400 مدرّس ومدرّسة من روسيا لتعليم اللغة، كما تمت الاستعانة بالكثير من الروسيات المتزوجات من سوريين لتعزيز الفريق التعليمي للروسية.

وكانت دمشق قد أعلنت في خريف 2014 أن وزارة التعليم افتتحت قسمًا للغة الروسية وآدابها، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة دمشق، وقيل حينها إن موسكو ستتولى إرسال أعضاء هيئة تدريسية لإعداد برنامج تعليمي خاص بقسم اللغة الروسية. لكن فصام النظام السوري يتجلى أكثر في كلام وزير السياحة عن “الاستقرار” والترفيه والسعي لتأهيل الكوادر باللغة الروسية لـ“مواكبة السياحة خلال مرحلة الاستقرار”.

وإضافة إلى “حمى” اللغة الروسية في سوريا، طالب السفير الإيراني في دمشق محمد رضا شيباني في مارس الماضي، بضرورة تعزيز تعلم اللغة الفارسية في الجامعات والمدارس السورية، بصفتها جزءا من “تعزيز مجالات التعاون المستقبلي بين سوريا وإيران في المجال العلمي والثقافي”.

وترى أوساط معارضة أن طهران تنحو منحى موسكو وتروم اختراق الفارسية للبرامج التعليمية السورية وفي خطوة لم تتحقق قبل ذلك رغم انتشار الحوزات الشيعية ومدارس تدريس المذهب الجعفري.

ويشرف المركز الثقافي الإيراني في دمشق على معاهد مجانية لتعليم اللغة الفارسية، كما ينسّق التعاون مع أربع جامعات سورية، فيما وقعت وزارة التعليم مؤخراً اتفاقية لتوسيع وتدريس اللغة الفارسية داخل المدارس والجامعات السورية.

وتعتبر أوساط متابعة أن استخدام عامل اللغة من قبل روسيا وإيران يكشف عن خطط لزيادة تبعية سوريا للدولتين، على الرغم من أن الطموحات اللغوية الروسية والإيرانية تحتاج إلى استقرار ميول النظام لصالح هذه العاصمة أو تلك، وهو أمر من المبكر استشرافه على ضوء الحرب السورية المستمرة ومآلاتها.

وترى مصادر معارضة أن توق روسيا وإيران إلى تعزيز حضورهما السياسي ومن خلال ذلك حضورهما الثقافي واللغوي مفهوم الدوافع ومنطقي المرامي، لكنها تحمّل النظام السوري مسؤولية الاختراق الخطير الذي يتعرض له النظام التعليمي السوري، لا سيما من خلال فرض تعليم لغة، ليس لأغراض علمية بل لفرض واقع تبعية على الأجيال القادمة يخدم أهداف طهران وموسكو في البلاد، خصوصا وأن تعليم الفارسية، على سبيل المثال، يترافق مع مشروع قديم جديد لنشر التشيّع وتغيير هوية المجتمع السوري بمذاهبه المختلفة ليتواءم مع الأجندة الهوياتية للحاكم في طهران.

وكانت إيران قد حرصت على مدار الأزمة السورية على إحداث تغييرات في التركيبة الجغرافية في عدة مناطق سورية خاصة تلك المحيط بالعاصمة دمشق، في مشهد بدا واضحا أنه لخلق كانتونات شيعية لحماية النظام.

وتولي إيران حرصا كبيرا على دعم النظام القائم في دمشق وأساسا الرئيس بشار الأسد باعتباره الوحيد القادر وفق وجهة نظر مسؤوليها، على إبقاء نفوذها في سوريا.

وقد كلفها هذا الدعم اللامشروط سقوط مئات القتلى في صفوف قواتها، ولكن يبدو أنها ليست في وارد التراجع رغم تزايد حالتي الاحتقان والتململ في الأوساط الإيرانية.

 

صحيفة العرب