نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية مقالاً للصحافي الشهير روبرت فيسك، تحدّث خلاله عن حياة القائد العسكري في "حزب الله" مصطفى بدر الدين وعلاقته بمستقبل الشرق الأوسط، وكشفَ تفاصيل عن لقائه بالقائد في "حزب الله" عماد مغنية وبالرئيس رفيق الحريري.

 

وقال فيسك: "بعد اغتيال مصطفى بدر الدين لن نعرف أبدًا ما إذا كان اغتيال الحريري سجّل سببًا في إنطلاق الجهود السعودية لتدمير الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه". وأضاف: "يسعى المحققون الدوليّون منذ أكثر من 5 أعوام لاكتشاف أثر بدر الدين، والآن باتوا يعرفون أين هو إلى جانب مغنية في روضة الشهيدين!". وتابع: "لم يستطع المحققون مقابلة الرجل (بدر الدين) الذي كان متهمًا بالتخطيط والتحضير لاغتيال الحريري عام 2005 ولم يحققوا معه"، مذكرًا بوعد الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله بـ"قطع يد" من يحاول القبض على بدر الدين أو المتهمين الآخرين من "حزب الله"، وعلّق فيسك: "ولم يجرؤ أحد على ذلك".

ورأى فيسك أنّ الأهمية التاريخية لبدر الدين لا تكمن في سوريا فقط بل في بيروت وتحديدًا في 14 شباط 2005، عندما وقع الإنفجار الذي استهدف موكب الحريري. وأضاف: "بعد مقتل بدر الدين في سوريا، إتّهم حزب الله "التكفيريين"، وهو المصطلح الذي يستخدمه الحزب لوصف المقاتلين المدعومين من السعودية ضد قوات الأسد".

وأشار فيسك إلى أنّ الحريري كان رجل السعودية، وصديق مقرب من العائلة المالكة هناك، وقيل عنه في الصحافة الغربية "سيد لبنان". وتابع: "بعد مقتل الحريري في بيروت، بدأت الحرب من السعودية ضد بشار الأسد. ويعتقد السعوديون أن الأسد سمحَ باغتيال الحريري لأنه كان يعارض إستمرار السيطرة السياسية والعسكرية السوريّة على لبنان".

ولفت إلى أنّ الأسد لم يكن يثق بشدّة بالرجل (الحريري)، حيثُ شكّك به بأنّه دفع بالقادة الغربيين لإخراج القوات السورية من لبنان. ولكنه تساءل: "هل خاطر حزب الله - الحزب السياسي الشرعي والذي لديه وزراء ونواب- بهكذا جريمة كبيرة ولماذا أراد الأسد قتل الحريري إذا كانت النتيجة الحتمية خروج قواته من لبنان؟".

 

رواية إيرانية: السعودية اغتالت الحريري

رواية أخرى لاغتيال الحريري نقلها فيسك عن "عملاء" إيران في بيروت، حيثُ يتهمون السعودية بأنّها رتبت الإغتيال وذلك لأنّ الحريري التقى في صباح باكر عضو بارز في الحكومة العراقية لمناقشة صفقة أسلحة، وخدع السعوديين بالأموال المرسلة لشراء أسلحة لبغداد، الأمر الذي دفع السعودية لقتله. وبعد نشر الرواية، علّق فيسك ووصفها بالقصّة "المعقّدة واليائسة"، مؤكدًا أنّها لم تساهم في تبديد الشكوك بأنّ حزب البعث السوري الحاكم رتّب عملية الإغتيال.

وأوضح فيسك أنّ بدر الدين كان الهدف بعد اغتيال عماد مغنية الذي يثق به نصرالله وإيران، منذ تخطيطه لخطف غربيين في لبنان أواخر عام 1980، والذي قتل عام 2008 في دمشق (ومن شبه المتأكد أن إسرائيل وراء إغتياته).

 

التحقيقات الدوليّة

وعن التحقيقات باغتيال الحريري، قال فيسك: "ركّز المحققون الدوليون واللبنانيون على الإتصالات التي جرت خلال أشهر في بيروت قبل وبعد عملية الإغتيال، وقدّمت بعض التجهيزات للبحث من الإستخبارات البريطانية التي تراقب الإتصالات اللبنانية من جبل ترودوس في قبرص". وأضاف: "حصلت جهود للحصول على آثار الإتصال في بيروت وخصوصًا في الضاحية وعمل المحققون للوصول إلى الضاحية من أجل الكشف على تسجيلات الهواتف في أحد المستشفيات هناك، ومعهم ملفات سرية، فتجمع عدد من النساء ووقفن بوجههم". وتابع: "طلب المحققون من دول جوار لبنان مساعدتهم. وبعد تهديد المحققين، قال نصرالله إنّ إسرائيل كان لها اليد العليا عبر التدخل بشبكة الإتصال في لبنان".

 

بين وسام عيد وبدر الدين

وذكّر فيسك بالمقدّم وسام عيد، أحد أبرز المحققين والتقنيين اللامعين والذي قتل عام 2008، لافتًا إلى أنّه "في الوقت الذي تبيّن أن المحققين سيتهمون حزب الله بمقتل عيد، ذهب مناصرو حزب الله لاتهام إسرائيل بزرع أدلة في الهاتف والإتصالات لاتهامه". وفي تقرير موسع يظهر تفاصيل سجلات هواتف المنتمين لحزب الله، نُشر في مجلة أميركية العام الماضي وأعدّه المحلّل العكسري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رونين جرمان، فقد إتهم بدر الدين بعمليات ضد إسرائيل. وسأل فيسك: "هل كان بدر الدين مسؤولاً عن مقتل وسام عيد، الرجل الذي في وقت وفاته كان قريبًا لتوجيه أصابع الإتهام لحزب الله في مقتل الحريري؟".

ولفت فيسك إلى أنّ بدر الدين كان متهمًا بتفجير قاعدتين عسكريتين فرنسية وأميركية في بيروت عام 1983، وكان عمره حينها 22 عامًا فقط، كذلك شاركَ في الهجمات ضد القوات الأميركية والغربية في العراق بعد 2003، ويقود العمليات في سوريا منذ عام 2011، كما كان متورطًا بالإعتداء على السفارة الأميركية في الكويت عام 1983، حيث سجن وهرب من السجن.

 

يد مغنية من حديد

وتابع فيسك: "كنت أعرف الحريري شخصيًا وكنت على بعد أمتار من مكان تفجيره"، وأضاف: "أعرف مغنية أيضًا فقد التقيته في شمال إيران في التسعينيات، وأذكر عندما صافحته قبل أن نشرب العصير، كأنني مسكت يدًا من حديد".

 

انتحار كنعان وصدمة الأسد

أمّا عمّا قيل إن اللواء غازي كنعان أُمِرَ بـ"انتحار نفسه"، كي لا يقال إنه "العقل المدبر" لاغتيال الحريري، وذلك قبل اتهام بدر الدين بوقت طويل، قال فيسك: "أحد كبار الضباط المقرّبين لكنعان أقسم لي أنّ ما قيل إنّ كنعان ذهب من العمل إلى المنزل، وكتبَ رسالة شخصية لزوجته قبل عودته إلى مكتبه في دمشق وإطلاق النار على رأسه، في الوقت الذي كان حراسه خلف الباب، لم يكن صحيحًا".

 

وتابع فيسك: "إلتقيت الرئيس الأسد بعد وفاة والده عام 2000، وتحدثت لصحافي كان معه عام 2005 حين تلقى خبر اغتيال الحريري، حيث قال لي إن الأسد صدم حقًا بتلك الأخبار". وأضاف: "لم ألتقِ بدر الدين أبدًا، لكن مقتله في دمشق يعني أنّنا لن نسمع روايته عن مقتل الحريري. وهكذا لن نعرف الحقيقة حول الإغتيال".

(إندبندنت - لبنان 24)