يشي بعض كلام الأقلام بأنّ العلاقات الروسيّة ـ الإيرانيّة تشهد في الوقت الراهن تأزّمًا ملحوظًا على خلفيّة ما يُشاع عن التباين في وجهات نظر البلدين حيال سبل تسوية الأزمة السوريّة، ولدرجةٍ وصلت في أعقاب استشهاد المسؤول العسكريّ في "حزب الله" مصطفى بدر الدين إلى حدّ قيام مدير مكتب قناة العالم الإيرانيّة في دمشق بتوجيه اتّهامات مباشرة لروسيا، مفادها أنّ "الطائرات الروسيّة قصفت مواقع الحلفاء في أكثر من منطقة في حلب وحالت دون تقدّمهم على جبهات القتال"، مُدرجًا في سياق هذه الاتّهامات تساؤلات تهكّميّة عن أسباب صمت موسكو في هذه الأيّام، وتلميحات تشكيكيّة بقدرات الدفاعات الجوّيّة الروسيّة وكيفيّة سماحها بحصول كلّ هذه الاختراقات، الأمر الذي فتح شهيّة أحد المحلّلين الاستراتيجيّين اللبنانيّين المقرّبين من دوائر صنّاع القرار في موسكو على طرح ما وصفه هو نفسه بالأسئلة الكبرى، فقال بلهجة تهكّميّة أيضًا: "وأين كانت إيران من مسلسل الاغتيالات في سوريا؟ وما هي حقيقة وجود اتّصالات سرّيّة بين الإيرانيّين والأميركيّين أغضبت روسيا؟ وأليست الصفقات المشبوهة هي التي كان يُفترض أن تتسيّد الموقف في هذا المشرق المقسّم طائفيًّا ومذهبيًّا لولا الجهود الروسيّة التي بُذلت على الصعيدين السياسيّ والعسكريّ من أجل دعم نظام الرئيس بشار الأسد"؟!

 

هذا التراشق الكيديّ بامتياز، وبغضّ النظر عن مدى صحّة المواقف المعلنة فيه أو المخفيّة على إيقاعه، سرعان ما أدّى إلى فتح نافذة للتأمّل في واقع وآفاق العلاقات الروسيّة ـ الإيرانيّة، انطلاقًا من البديهيّة القائلة بأنّ موسكو وطهران، وإن كانتا قد وضعتا بنجاح خلال تسعينيّات القرن العشرين أسس التفاعل وتوسيع مجالات التعاون بينهما، فإنّ علاقاتهما ظلّت تتطوّر منذ بداية القرن الحادي والعشرين بشكل غير متكافىء، وذلك بسبب بعض التقلّبات التي اعتمدت على مزيج من العوامل العالميّة والإقليميّة، وكذلك على الظروف الداخليّة في البلدين.

وإذا كانت الهواجس الروسيّة المعلَنة من ماهيّة الدور الإيرانيّ في سوريا خلال مرحلة ما قبل بدء "عاصفة السوخوي" في الثلاثين من أيلول العام الماضي قد تركّزت على الخشية من "عرقنة" الصراع السوريّ و"مذهبته" بما يتعارض مع مشروع "العلمنة" الذي تتمسّك به موسكو في إطار منهجيّة التسوية السياسيّة للأزمة، فإنّ إحدى الأوجه المخفيّة لتلك الهواجس كانت قد تكشّفت ملامحها على خلفيّة ما شهدته تلك الأيّام من زخم في وتيرة الانفتاح الغربيّ على إيران بعيد تسوية أزمة برنامجها النوويّ ورفع العقوبات عنها، وذلك بالتزامن مع فرض هدنة غير معلنة بين حزب الله وجيش الفتح في منطقة القلمون التي يقع فيها حقل قارة للغاز المكتشف عام 2011، وما أثاره هذا الأمر من شكوك حول إمكانيّة إجراء "صفقة مشبوهة" يجتمع فيها الغاز القطريّ مع غاز حقل بارس الإيرانيّ وغاز حقل قارة السوريّ من أجل منافسة الغاز الروسيّ في دول الاتّحاد الأوروبيّ عن طريق تركيا، علمًا أنّ هذه الشكوك كان يُفترض أن تكون قد تبدّدت في ما بعد إثر المباحثات التي أجراها الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين مع كلّ من الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني ومرشد الثورة علي خامنئي خلال زيارته الأخيرة لطهران في تشرين الثاني من العام الماضي، وتحديدًا قبل يومين من قيام المقاتلات التركيّة بإسقاط قاذفة السوخوي الروسيّة فوق الأراضي السوريّة في تلك الخطوة التي فسّرها بعض المراقبين بأنّها جاءت للتعبير عن حالة إحباط شديد شهدتها أنقرة، ولا سيّما أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة لم تدّخر على مدى السنوات الماضية أيّ جهد في مجال العمل على تحويل تركيا إلى "عقدة غاز عالميّة" من أجل محاربة الغاز الروسيّ، دون أن يُكتب لها النجاح في تحقيق ذلك حتّى الآن.

ومهما يكن من أمر، فإنّ أبرز ما كان لافتًا في خضمّ التراشق الكيديّ الأخير، تمثّل قبل عدّة أيّام في قيام أحد الزملاء الصحافيّين المحسوبين على "حزب الله" في لبنان بالإفصاح علنًا عبر حسابه الخاصّ على موقع "فيسبوك" عمّا دار في خاطره إثر تكبّد مقاتلي المحور الإيرانيّ في سوريا خسائر فادحة في معارك حلب الأخيرة، فكتب قائلًا بتهكّمٍ ما حرفيّته: "الروسيّ ليس حليفًا اليوم ولم يكن حليفًا بالأمس، وهو، بلا شكّ، ليس حليفنا غدًا.. ولن تفاجئني اللحظة التي سيتحوّل فيها حليفًا فعليًّا للإسرائيليّ والسعوديّ، وأداة ضغط هائلة على محور المقاومة للتنازل ولقبول التسويات المهينة.. وهي لحظة باتت قريبة جدًّا"... وهذا كلامٌ، وإن كان يفتقر في الجزئيّة الأخيرة منه إلى الكثير من مقوّمات الاتّزان، فأغلب الظنّ أنّه سيبقى بمثابة زيت يُصَبُّ على نارٍ يُنذر اشتعالها بمزيد من ألسنة لهب الاتّهامات المتبادلة بين الطرفين.. وإنّ بعض الظنّ إثم.

 

(جمال دملج : لبنان24)