لا مفهوم للخير والشر في الحروب. القيمة الأولى في الصراعات هي الهزيمة والانتصار. والمنتصرون هم من يضعون معايير الخير والشر في النهاية. هذه أحد أهم أسباب التفاف الغالبية (البسطاء) حول قائد ما أو أيديولوجية ما. سواء كان الانتصار مبنيًّا على قيم منطقية وأخلاقية، أو على «خديعة». العقل البسيط والتبعي لا يمكنه أن يحسم سؤالاً كبيرًا مثل ذلك؛ هو غالبًا عاجز أو متردد عن إطلاق حكم عاقل ومحايد حول سلوك أو فعل، وتصنيفه خيرًا كان أو شرًّا بمنأى عن النتيجة. الانتصار وحده كافٍ لأن يجزم بكونه خيرًا. كثيرون استغلوا هذا التبادل الساذج (بين الانتصار والخير) الذي لا ينطلي على العقلاء لكسب الجماهير. إن إمكانية أن يكون القائد محض شرير رغم تحقيقه الانتصارات حقيقة منطقية ساقطة من أذهان التابعين السذج له. «الشر لا ينتصر». هكذا يفكرون. نيرون، هتلر، موسوليني وغيرهم.. كلهم في حروبهم الأولى انتصروا، وصفق لهم الجميع، إلا أن التاريخ لم يغير حقيقتهم في كونهم أشرارًا قتلوا الأبرياء، ودمروا المدن، وكرسوا حياتهم في خدمة القذائف وتطوير الأسلحة. البغدادي وتوسعاته المخيفة في الشام والعراق، وقبله الخميني الذي لم يكن ليتمكن من تصدير الثورة لولا انتصاره في ثورته عام 79. إمكانية انتصار الشرور وليس استحالتها هذا ما يمكنه أن يصنع التوازن المنطقي، أن يعيد العقول القطعية والحتمية المؤمنة بفكرة صارخة ترفض الاحتمال والترجيح. الخدعة والحيلة والتدليس وإخفاء الحقائق والاغتيالات قد يفعلها رمزك المحبوب المنتصر. هذه العبارة يمكنها أن تجعل التابع المتحمس يتحول لوحش؛ لأن منظومته الأخلاقية والمعرفية لا تقوم بذاتها، إنما بحاجة دائمًا لأن يقيمها شخص آخر مقدس. القداسة تهبها الطمأنينة. «بدر الدين» المتورط في اغتيالات عدة منذ تفجير السفارة الأمريكية في بيروت عام 83، مرورًا بعلاقته بتفجير الخبر 96، وليس انتهاء باغتيال الحريري؛ إذ رفض نصر الله الأمين العام لحزب الله تسليمه للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان أو أي تحقيق آخر.. قبل بضعة أيام أُعلن خبر اغتياله في سوريا بقذيفة مجهولة المصدر، وحزب الله يحقق حول الجهة المسؤولة. حزب الله نشر في الأخبار اللبنانية 2015 أنه لن يغادر عمله في سوريا أو لبنان إلا شهيدًا محمولاً. سيهلل عشاق الحزب ومؤيدوه، وسيعتبرونها نبوءة مقدسة من قائد رباني! لن يفكر أحدهم أنها مجرد خدعة. تورط الرجل ثم تمت تصفيته؛ لذهب بأسراره قبل أن يظفر بها العدو. هل يمكن أن يحدث ذلك؟ أن يرتب حزب الله لاغتيال رجاله وعناصره ومواليه؟ الإجابة للمحللين والمتابعين والمحايدين معروفة. منذ أن زج نصر الله بمصطفى بدر الدين في حلق النيران كان يخطط للتخلص منه، وخصوصًا أنه - على غير عادته - أعلن مكانه، وهو الذي يتكتم بأكثر ما يمكنه عن مواقع قادته.. ثم - ويا للعجب - يقتل بدر الدين كما توقع له نصر الله.

نبوءة مقدسة - كما يتوهم المغفلون - أم خطة مدبرة؟ كم يحتاج من تخلى عن عقله من الزمن ليكتشف الإجابة؟

هكذا هي الشرور مهما حاولت إعطاءها صفة القداسة أو النبوءة أو الخير كما فعلت الثورة الإيرانية وحزب الله وداعش والقاعدة، وكما فعل من قبلهم هتلر وستالين ونيرون، فإنها تبقى شرورًا حتى وإن انتصرت؛ فالانتصار لا يعطيها معنى الطهارة أو أنها على صواب.

 

 

كوثر الأربش: الجزيرة