لم يتهم حزب الله اللبناني في بيانه الأول الذي أعلن فيه عن مقتل مصطفى بدرالدين (55 عاما) قرب دمشق، إسرائيل بأنها وراء عملية الاغتيال، وإن كان لا شك سيفعل كما حدث عند اغتيال قيادي الحزب عماد مغنية عام 2008. لكن نوار الساحلي النائب عن حزب الله، اتهم إسرائيل بالمسؤولية عن مقتل بدرالدين، مشيرا إلى أن الحزب سيرد “في الوقت المناسب”.

  وشيع بدرالدين الجمعة في جنازة نظّمها حزب الله في ظل تساؤلات عن المكان الذي قتل فيه من جهة ولماذا جرى التخلص من عدد كبير من الأشخاص الذين ارتبطت أسماؤهم بعلاقة ما باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

  واستغرب مراقبون ضبابية بيان حزب الله حول مقتل بدرالدين الذي جاء بعد “التحقيق”، لعدم تطرقه إلى خسائر بشرية أخرى في ما وصف بأنه “مركز للحزب”، على ما يطرح علامات استفهام حول حقيقة الاغتيال وحيثياته، والذي يذكر بالعملية التي استهدفت في قلب دمشق قيادي حزب الله عماد مغنية.

  وبين الرجلين القتيلين قواسم مشتركة كثيرة، فمصطفى بدرالدين هو شقيق زوجة عماد مغنية، وربما تلك القرابة هي التي دفعت الأخير إلى قيادة عملية خطف أربعة مواطنين غربيين على الأقل في لبنان، كما قام باختطاف طائرة تتبع الخطوط الجوية الكويتية للمطالبة بالإفراج عنه ومعتقلين آخرين من سجون الكويت.  

وفي تشابه المهام أيضا التي تولاها الرجلان والتي يختلط فيها الأمني بالعسكري ما جعلهما مطلوبين لدى المخابرات الدولية.  

وقال مصدر أمني لبناني إن بدرالدين يعتبر، من وجهة نظر إيران، أهمّ بكثير من حسن نصرالله، خصوصا أنّه سبق له أن لعب دورا في تفجير السفارة الأميركية في الكويت عام 1983.   واستبعد المصدر الأمني اللبناني أن يكون مقتل مصطفى بدرالدين بمثابة نهاية لمسلسل تصفية المتورطين في اغتيال الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى التي توالت بعد ذلك.

  ويرى المحلل السياسي اللبناني الدكتور حارث سليمان أن “مقتل بدرالدين في دمشق بعد مقتل كل من عماد وجهاد مغنية وسمير القنطار، وقيام حزب الله باتهام إسرائيل بهذه الجرائم، يثير تساؤلا مشروعا مردّه، لماذا تستهدف إسرائيل قيادات حزب الله البارزة في سوريا وليس في لبنان ولماذا تنجح في الوصول إليهم في عاصمة لا يقيمون فيها بشكل دائم بل يترددون عليها ضمن مهماتهم الحزبية؟”.

  وتساءل سليمان في تصريح لـ”العرب”، “لماذا لا تستهدفهم إسرائيل في لبنان إذا كانت ترصدهم بمجرد وصولهم إلى العاصمة السورية وتكتشف أماكن مبيتهم؟”.

  ويذهب بعض المراقبين إلى إدراج مقتل بدرالدين ضمن عمليات قتل طالت لائحة طويلة من الأسماء اتهمت أو كان لها شأن في عملية اغتيال الحريري في 14 فبراير عام 2005.

فإضافة إلى بدرالدين الذي تتهمه المحكمة الدولية المختصة بقيادة عملية الاغتيال، ومغنية الذي يشتبه بأنه كان يملك معلومات أساسية عن الموضوع، فقد قتل من السوريين اللواء رستم غزالي واللواء غازي كنعان والعميد محمد سليمان واللواء جامع جامع، وكلهم كان لهم دور في عملية الاغتيال.  

ويربط النائب اللبناني أحمد فتفت عملية اغتيال بدرالدين بسياقات متصلة بالمحكمة الدولية بشكل خاص ويرى أن “هذا الاغتيال الذي يجب التأكد منه قبل كل شيء، إنما يرتبط بسياقات المحكمة الدولية، حيث أن جل المتهمين باغتيال الحريري قد تمت تصفيتهم، أو سقطوا في ظروف غامضة، قد تكون هناك طرق تدبر من أجل الخروج من إطار ما ستقرره المحكمة الدولية”.

  وكان بدرالدين، كما مغنية، ينشطان داخل صفوف حركة فتح قبل أن ينضما إلى حزب الله بعد عام 1982. ويلقب بدر الدين بـ”ذو الفقار”، وكان يعرف بعدة أسماء ويمتلك مواهب تقنية أمنية وعسكرية ولوجيستية جعلته يعيش متخفيا طوال هذه المدة.

وكان اعتقل في الكويت عام 1983 بتهمة تفجير السفارة الأميركية في الكويت، وكان عضوا في حزب الدعوة واعتقل مع 17 من المشتبه بهم بعد شهر واحد من سبعة انفجارات في الكويت حدثت في يوم واحد في 13 يناير عام 1983، وحكم عليه بالإعدام وفر من السجن أثناء غزو الكويت عام 1990.  

ولا ينفي دبلوماسيون احتمال أن تكون إسرائيل وراء عملية الاغتيال، لكنهم يتساءلون عن أن بدرالدين لم يكن هدفا أساسيا لإسرائيل، ذلك أن الأنشطة الإرهابية التي عمل عليها واشتهر في بعضها، سواء في الكويت أو في قضية الحريري أو في قيادته للعمل العسكري لحزب الله في سوريا يجعله بعيدا عن إقلاق إسرائيل.  

لكن المحلل السياسي حارث سليمان يضع أمر الاغتيال في إطار أوسع متسائلا “أين ذهب سلاح الجو الروسي وشبكة الصواريخ الروسية الأحدث من نوعها والتي يفترض أن تغطي من سوريا المجال الجوي الأوروبي كله أم أنه ذهب ضحية تواطؤ أجهزة الاستخبارات المختلفة؟”.

  وكان بدرالدين القائد العسكري لحزب الله في سوريا ويشرف على التنسيق المباشر مع بشار الأسد، على النحو الذي يفتح احتمالات أخرى للاغتيال لا تبتعد عما يعد لسوريا داخل الغرف الكبرى في العالم.

صحيفة المدن