أظهر التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عودة أن الاقتصاد ما زال في دائرة الوهن رغم الإيجابية المسجلة خلال الفصل الأول في بعض المؤشرات والقطاعات. ورأى التقرير ان الأزمة القائمة بين لبنان ودول الخليج تحمل تداعيات سلبية على الاقتصاد من دون تأثير على القطاعين المالي والنقدي مع تأثير على القطاع السياحي، بسبب قرار منع السفر إلى لبنان مما أحدث تراجعاً في القطاع السياحي. هذا مع تراجع الاستثمارات التي تحذر من وقوع لبنان في فخ الركود ودوامة النمو السلبي. ويقدر التقرير نسبة النمو للعام الحالي بحوالي 1 إلى 2 في المئة. ويؤكد التقرير ان التطورات الحالية لن تؤثر على الاستقرارين المالي والنقدي نتيجة السياسات المعتمدة من قبل مصرف لبنان الذي يتمتع باحتياطات بالعملات تفوق 37 مليار دولار. ويلحظ التقرير أن مؤشرات الاقتصاد الحقيقي شهدت نمواً إيجابياً خلال الفترة.
ومما جاء في التقرير:
شهد الاقتصاد الحقيقي في لبنان تحسناً طفيفاً في الفصل الأول من العام 2016، إنما انطلاقاً من قاعدة متدنية خلال الفترة المماثلة من العام 2015، مما يدلّ على أن الاقتصاد المحلي لا يزال في دائرة الوهن. في الواقع، وفي حين أن معظم مؤشرات القطاع الحقيقي كانت قد انكمشت في الفصل الأول من العام 2015، إلا أنّها سجلت نمواً إيجابياً في الفصل الأول من العام الحالي مدفوعاً بشكل رئيسي بنمو الاستهلاك المحلي في سياق مناخ استثماري واهن.
في الواقع، إن قراءة أهم مؤشرات القطاع الحقيقي تشير إلى أنها قد سجّلت نمواً إيجابياً منذ بداية العام، وإن بنسب متفاوتة، بحيث نما كل من عدد عمليات البيع العقارية بنسبة 26 في المئة، ورخص البناء الممنوحة بنسبة 12 في المئة، وحجم البضائع في مرفأ بيروت بنسبة 20 في المئة، وعدد المسافرين عبر مطار بيروت بنسبة 11 في المئة، وعدد السياح بنسبة 9 في المئة، ومبيعات السيارات الجديدة بنسبة 6 في المئة. كما نمت الواردات الإجمالية بنسبة 11 في المئة خلال الفصل الأول من العام وهي مرآة الطلب الإجمالي بشقيه الخاص والعام.
ونتيجة مجمل أداء مؤشرات القطاع الحقيقي، سجل المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان متوسطاً قدره 287 في الشهرين الأولين من العام 2016 أي بنمو نسبته 7.7 في المئة بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام السابق. علماً أن المؤشر كان قد شهد نمواً وسطياً بنسبة 2 في المئة في العام 2015 وبنسبة 3.2 في المئة في كل من العامين 2013 و2014. هذا وفي حين أن المؤشر الاقتصادي العام يمثل متوسطاً مثقلاً لعدد من المؤشرات التي تتماشى مع النشاط الاقتصادي من دون قياس حجم نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، إلا أن تطوره يشكل في الواقع مؤشراً لاتجاه أداء الاقتصاد المحلي بشكل عام.
وعلى صعيد القطاع الخارجي، شهد لبنان زيادة في تدفقات الأموال الوافدة خلال الفصل الأول من العام، وإن لا تزال أقل من العجز التجاري المتنامي مما ألحق عجزاً في ميزان المدفوعات. في الواقع، لقد بلغت تدفقات الأموال الوافدة 3344 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2016، أي بنمو نسبته 29.8 في المئة بالمقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2015. هذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض العجز التجاري في لبنان والذي ارتفع بنسبة 16.4 في المئة، من 3427 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2015 إلى 3988 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2016. عليه، فقد سجل ميزان المدفوعات عجزاً بقيمة 644 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2016 بالمقارنة مع عجز بقيمة 850 مليون دولار في الفصل الأول من العام 2015.
أما على الصعيد النقدي، فإن سمات المناعة النقدية مستمرّة بوتيرة سليمة. إذ بلغت الموجودات الخارجية لدى مصرف لبنان 37 مليار دولار في نهاية الفصل الأول من العام 2016، أي ما يعادل نسبة 70 في المئة من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية و24 شهراً من الاستيراد، مع الإشارة إلى أن احتياطيات الذهب قد بلغت 11 مليار دولار خلال تلك الفترة. في موازاة ذلك، لم تسجّل أي ضغوط على أسعار الاستهلاك بحيث بلغت نسبة التضخم متوسطاً سنوياً قدره 0.4 في المئة في آذار 2016.
وعلى صعيد القطاع المصرفي، سجل النشاط المصرفي في لبنان، والمقاس بإجمالي الموجودات المجمعة، نمواً سنوياً بنسبة 6.0 في المئة في آذار 2016 مقارنة مع آذار 2015، بالترافق مع نمو سنوي في الودائع المصرفية بنسبة 4.8 في المئة ونمو سنوي في التسليفات بنسبة 7.6 في المئة، ما يشير إلى أن القطاع المصرفي لا يزال قادراً على تلبية الحاجات الاقتراضية للاقتصاد الوطني بشقيه العام والخاص. هذا ولا تزال مؤشرات المكانة المالية متينة في الإجمال، بحيث تبلغ نسبة الأولية السيولة إلى الودائع بالعملات الأجنبية 47 في المئة، ونسبة الملاءة 14 في المئة، ونسبة التسليفات المشكوك في تحصيلها 3.6 في المئة من إجمالي التسليفات، بالإضافة إلى مردود على متوسط الموجودات بنسبة 1 في المئة ومردود على متوسط الأموال الخاصة بنسبة 10.6 في المئة.
أما أسواق الرساميل في لبنان، والتي لا تزال تفتقر إلى السيولة والفعالية، فلم يكن أداؤها متماشياً مع التحسن النسبي في المناخ الاقتصادي الداخلي. في ما يلي تحليل مفصل لتطورات القطاع الحقيقي والقطاع الخارجي والقطاعين العام والمالي في حين تتطرّق الملاحظات الختامية إلى تقييم تداعيات الأزمة ما بين لبنان ودول الخليج على الاقتصاد اللبناني بشكل عام.
نظرة على تداعيات الأزمة بين لبنان ودول الخليج
إن الأزمة القائمة بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي والتي تجلّت معالمها في منتصف الفصل الأول من هذا العام، إضافةً إلى الضغوط الاقتصادية المحلية التي تلقي بثقلها على البلاد منذ بداية الاضطرابات الإقليمية، تحمل في طيّاتها تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني، مع مزيد من الوهن في اقتصاد القطاع الحقيقي، إنما دون تأثيرات ملموسة على مناعة القطاعين النقدي والمصرفي بشكل عام.
على مستوى القطاعي الحقيقي، فإن القطاع السياحي، بشكل خاص، من شأنه أن يتأثر سلباً جراء قرار منع السفر إلى لبنان من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تلك التأثيرات تنطلق من قاعدة متدنية نسبياً. فالقطاع السياحي يرزح أساساً تحت ضغوط جمّة، إذ إن عدد السياح في العام 2015 كان أقل بنسبة 30 في المئة عن عددهم المسجل في العام 2010 أي قبيل الاضطرابات الإقليمية (وذلك من 2.2 مليون سائح إلى 1.5 مليون، مع تراجع في عدد السياح الخليجيين من 380000 إلى 140000)، وبالتالي فإن تلك التداعيات سوف تلقي بظلالها على العدد القليل المتبقي من السياح الخليجيين هذا العام.
في موازاة ذلك، إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة من شأنها أن تكون عرضة لمزيد من الضغوط انطلاقاً من قاعدة متدنية في الأساس، بعد أن انخفضت قيمتها بنسبة 45 في المئة بين عامي 2010 و2015 (وذلك من نحو 4.9 مليار دولار إلى 2.7 مليار دولار).
وفيما يتعلّق بالتصدير، ففي حين أن الصادرات اللبنانية إلى دول مجلس التعاون الخليجي تمثل ما نسبته 30 في المئة من صادرات لبنان الإجمالية، إلا أن حركة التصدير تلك ترتكز على علاقات طويلة الأمد بين رجال الأعمال اللبنانيين المقرّبين إلى حد بعيد من دول مجلس التعاون الخليجي. وبالتالي من غير المرجح أن تؤثر هذه الأزمة سلباً على حجم تلك الصادرات.

 

السفير