كشفت الانتخابات البلدية هشاشة الذرائع والاسباب التي بني عليها التمديد لمجلس النواب، فضلاً عن التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية ما جعل الشغور الرئاسي يمتد لسنتين حتى الآن. وفي هذه الاجواء تستعد مناطق محافظة جبل لبنان لخوض غمار الجولة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية الاحد المقبل، وسط تعثّر الاتفاق السياسي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في عدد من البلدات، في وقت أظهرت الأرقام بعد إقفال باب الترشيحات في جبل لبنان، فوز 20 بلدية متنيّة مدعومة من دولة الرئيس ميشال المرّ بالتزكية، أو شبه التزكية أي أن هناك مرشّحاً واحداً منفرداً او اثنين فقط في مقابل اللوائح المكتملة. وفي تطور أمني لافت ليل أمس، أكّد التلفزيون الإسرائيلي ما أعلنه معارضون سوريون عن غارة شنَّتها إسرائيل ضد قافلة صواريخ لـ«حزب الله» على الحدود اللبنانية - السورية.

وفي هذا السياق، أكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أن «لا شيء يدلّ على أنّ غارة حصَلت داخل الأراضي اللبنانية»، فيما نفى الإعلام الحربي للحزب استهداف قوافل تابعة له في مجدل عنجر.

برّي

في ضوء انتهاء الجولة الاولى من الانتخابات البلدية في أجواء هادئة، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس رداً على سؤال حول إمكان إجراء الانتخابات النيابية عبر تقصير ولاية المجلس: «بعد إجراء الانتخابات البلدية في الامكان إجراء الانتخابات النيابية وتقصير ولاية المجلس إذا تمّ التوصل الى قانون انتخابي جديد لأنّ المفتاح يكمن هنا، والمبادرة في هذا المجال هي في يد المجلس دون سواه».

وأضاف بري امام زواره: «لن يكون هناك تمديد جديد لمجلس النواب مهما حصل، ونحن في هذه الحال أمام خيارين: إمّا الوصول الى قانون انتخابي عصري على اساس النسبية، وامّا أننا سنصل الى قانون الدوحة الذي يسمّيه البعض قانون الستين».

وأكد بري «اننا في سباق مع الوقت لأنّ الولاية المجلسية الممددة تنتهي بعد نحو عشرة أشهر، وقبلها يدخل المجلس في ستة أشهر عطلة تنطلق خلالها الحملات الانتخابية للمرشحين. ويبقى أمامنا 4 أشهر من الآن مهلة لاستيلاد وإنتاج قانون الانتخاب الجديد». وقال: «لا تنتظم الحياة السياسية في لبنان مع انتخاب رئيس الجمهورية فقط، بل في وضع القانون الانتخابي العصري».

واضاف بري: «المشروع المختلط الذي قدمته على أساس 64 في المئة على أساس النظام الأكثري و64 في المئة على أساس النظام النسبي هو الاكثر مقبولية وتوازناً لأنه يترك النتائج غامضة، وهذا القانون ينصف المسلمين والمسيحيين ويسمح بفوز مرشحين وسطيين بين القوى السياسية».

ورداً على سؤال حول نتائج الانتخابات البلدية في بيروت، قال بري: «انّ هذه النتائج أظهرت رد فِعل من الناس على تراكم ملفات الفساد من النفايات الى الفساد والرملة البيضاء والانترنت غير الشرعي التي ولّدت حالة من القرف لديهم». واشار الى انّ الانتخابات البلدية بما شهدته في بيروت ومناطق أخرى «أنهت خرافة 14 آذار».

رئاسة الجمهورية

وكان بري أرجأ أمس الجلسة الـ39 لانتخاب رئيس الجمهورية الى 2 حزيران المقبل، وذلك نتيجة عدم اكتمال نصاب جلسة الانتخاب أمس، وقد سجل الحضور النيابي فيها أدنى مستوياته قياساً على الجلسات السابقة، بحيث حضر 41 نائباً فقط علماً انّ 53 نائباً كانوا قد حضروا الجلسة السابقة.

وتلقى بري رسالة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أكد فيها العمل من اجل حل أزمة انتخاب رئيس الجمهورية، ودعم لبنان في المجالات السياسية والاقتصادية والمالية والعسكرية، وفي مواجهة أعباء ازمة النازحين السوريين.

الإنتخابات البلدية

وعلى صعيد الانتخابات البلدية، وفي خضمّ التحضير للجولة الثانية المقررة الاحد المقبل، خلقت نتائج التصويت مشكلة داخل الأحزاب والتيارات في الأشرفية ودائرة بيروت الأولى، حيث انصرف كل فريق الى محاسبة الكوادر التي لم تلتزم قرار القيادة، وعمَد بعضهم الى مراجعة حساباته وفتح تحقيق لمعرفة أسباب عدم قدرته على التجيير لصالح لائحة «البيارتة».

وقالت اوساط معنية بالاستحقاق البلدي لـ«الجمهورية» انّ الانتخابات البلدية أظهرت في جولتها الاولى اموراً عدة، أبرزها حسب مصادر سياسية:

اولاًـ انّ إعلان النيات بين الرابية ومعراب والذي لاقى ترحاباً كمشروع مصالحة مسيحية ـ مسيحية لم يجد ترحاباً كمشروع سياسي وانتخابي، والدليل ما حصل في مدينتي بيروت وزحلة حيث جاءت نسبة الاقتراع متدنية.

ثانياًـ من خلال تسجيل القوى المناطقية والعائلية في زحلة، بلغ مجموع أصوات لائحة «زحلة الأمانة» المدعومة من «الكتلة الشعبية» برئاسة ميريام سكاف، ولائحة «زحلة تستحق» المدعومة من النائب نقولا فتوش 65 في المئة، في حين لم تتعدّ اصوات أحزاب «التيار الوطني الحر» والكتائب و«القوات اللبنانية» مجتمعة 35 في المئة.

امّا في بيروت، فلم يحدث في منطقة الاشرفية تجييش حزبي فحسب، بل أسوأ من ذلك، حيث ذهبت الاصوات نحو لائحة «بيروت مدينتي» (نواتها المجتمع المدني) والمرشحة ضد «لائحة البيارتة» المدعومة من تيار «المستقبل» والاحزاب المسيحة مجتمعة.

ثالثاًـ برزت نزاعات داخل «التيار الوطني الحر» ما بين القيادة على صعيدين: أفقي، بين الوزير جبران باسيل والعميد شامل روكز، وعمودي بين القيادة المركزية والكوادر على الارض مثلما حصل في الاشرفية، وأبرز دليل على ذلك الصرخة ـ العتب التي أطلقها الرئيس سعد الحريري امس الاول حين قال: «هناك حلفاء التزموا معنا التزاماً كاملاً، وصبّوا أصواتهم لـ «لائحة البيارتة»، وهناك حلفاء آخرون فتحوا خطوطاً لحساب مرشّحين من خارج اللائحة، بنحوٍ كان يمكن أن يهدّد المناصفة، وهذا أمرٌ لا يشرّف العمل السياسي ولا العمل الانتخابي».

رابعاًـ لقد كشفت الانتخابات انّ المسيحيين يريدون ان تكون الأولوية للانتخابات الرئاسية وليس للانتخابات البلدية والاختيارية، بدليل عدم الاكتراث واللامبالاة اللذين ظهرا في اليوم الانتخابي الطويل الأحد الماضي.

فكل هذه المعطيات إن دلّت على شيء فإلى انّ الرأي العام المسيحي لم يعد يستسيغ التحافات غير المبنية على المبادىء، ويريد توحيد الصف المسيحي على أساس مشروع وطني وليس على أساس مشروع بلدي، لشعوره بأنه في مرحلة تقرير مصير البلد وليس تقرير مصير البلدة.

مصادر ديبلوماسية

وفي معلومات لـ«الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية انّ سفراء دول كبرى ودول اوروبية وعربية، أبرقوا الى حكوماتهم حول هذه المعطيات والاستنتاجات، خصوصاً انه اوّل استحقاق انتخابي يحصل في لبنان منذ نحو سبع سنوات.

وذكرت تقارير ديبلوماسية «انّ من سقط في هذه الانتخابات البلدية هو مفهوم الرئيس القوي، بحيث تبيّن انّ كل الاقوياء لم يستطيعوا ان يجمعوا أكثر من 25 في المئة بمعدّل بيروت وزحلة معاً. فبعد انتخابات زحلة وبيروت لم يعد أحد يستطيع الادّعاء انه الرئيس القوي وانه وحده يمثّل الشارع المسيحي».

السنيورة

واعتبر رئيس كتلة نواب «المستقبل» فؤاد السنيورة انّ «ما حصل في الانتخابات البلدية في بيروت جدير باستخلاص العبر والدروس، وقد يكون احد الاسباب وجود الرئيس سعد الحريري خارج لبنان».

ولدى سؤاله عمّن قصدهم الحريري بعدم الالتزام، قال السنيورة: «انا اعتقد انّ كل شخص عندما يعود الى نفسه يستطيع تسميتهم، وانا لا اريد ان أجتهد على الناس ونترك الناس يجتهدون».

الحوار الثنائي

من جهة ثانية انعقدت مساء أمس في عين التينة جلسة الحوار الـ 28 بين «حزب الله» و»تيار المستقبل»، وحضرها المعاون السياسي للأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل، والوزير حسين الحاج حسن، والنائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كذلك حضر المعاون السياسي لبري الوزير علي حسن خليل.

وبعد الجلسة صدر البيان الآتي:

«أعرب المجتمعون عن ارتياحهم الى إنجاز المرحلة الأولى من الإنتخابات البلدية، وشددوا على استكمال هذه الانتخابات في الأجواء الإيجابية نفسها التي سادتها. كذلك جرى نقاش معمّق للمرحلة المقبلة وعمل اللجان النيابية المشتركة حول قانون الإنتخابات الجديد، وضرورة التوافق للوصول إليه في أسرع وقت».

الإنترنت غير الشرعي

من جهة اخرى عاد ملف الانترنت غير الشرعي الى واجهة الأحداث على المستوى الاعلامي فقط، فيما لم تحقق الاجراءات القضائية ايّ تطور مهم.

حمود

وأكد المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لـ«الجمهورية» انّ «العمل جار على مختلف المسارات القضائية باستثناء الملف المتصل بالتحقيقات مع موظفي مؤسسة «اوجيرو» الكبار». وقال: «نحن في انتظار قرار وزير الاتصالات بطرس حرب في شأن إذن ملاحقة بعض الموظفين». واوضح انه لم يتلق من حرب بعد أي جواب رسمي.

وعن احتمال صدور قراره هذا الأسبوع كما تردد، قال حمود: «ليس في حساباتنا أي مهلة محددة وننتظر الجواب الرسمي». وأكد انه اطلع على تغريدة جنبلاط لكنه ليس في وارد التعليق عليها، وهو في انتظار الإذن المطلوب من حرب للقيام بما يجب على مستوى التحقيق مع عبد المنعم يوسف وزميلين له من المؤسسة.

واكد «انّ التحقيقات مستمرة في شأن ملف إدخال المعدات الخاصة بمحطات الإنترنت بحثاً عن طريقة إدخالها عبر المباحث الجنائية المركزية للتثبت من شرعية إدخالها، وفي حال العكس تحديد الجهات المتورطة في إدخالها بطريقة غير شرعية.

ولفت حمود الى «انّ التحقيقات الجارية مع الموقوفين من أصحاب شركات الانترنت والمتعاملين معها في الضنية وبيروت وجبل لبنان ما زالت مستمرة لدى قاضي التحقيق في جبل لبنان رامي عبدالله ونظيره في بيروت فادي عنيسي، وانّ العمل جار كما هو مرسوم ووفق الأصول». ورأى «انّ من حق الخاضعين للتحقيق التقدّم بدفوعهم الشكلية تحقيقاً للمسار القضائي الصحيح».