لم يكد وفد لبنان برئاسة نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل ينهي زيارته الى موسكو في الثامن والعشرين من نيسان الماضي، حتى بادر معهد ستراتفور الأميركي الى نشر تقرير حول سياسات لبنان التسلحية (نموذج التسلح من روسيا)، خلص فيه الى أن اهتمام روسيا بتسليح الجيش اللبناني هو جزء من اهتمام روسي يتنامى بالتعامل مع الواقع السياسي اللبناني وبالتالي تعزيز النفوذ الروسي في لبنان.

 

وبطبيعة الحال، تكاد مسألة النفوذ الروسي لا تغيب عن جدول أعمال معظم القوى السياسية اللبنانية، في "8 آذار" و"14 آذار" وما بينهما مثل وليد جنبلاط، حتى أن بعض الشخصيات الأرثوذكسية اللبنانية، ومعظمها تحاول ابراز هويتها المستقلة، تلتقي بين حين وآخر، في اطار حلقات للتفكير السياسي، وتطرح أمام نفسها سؤال عن ماهية الرافعة الأرثوذكسية المقبلة للدور الروسي في لبنان في ظل انكفاء رجل الأعمال عصام فارس وضمور دور آل المر وعدم قدرة أية مرجعية دينية، سواء من جانب البطريركية الأرثوذكسية أو مطرانية بيروت الأرثوذكسية، على لعب هذا الدور، ناهيك عن ضعف شخصيات مثل فريد مكاري وسمير مقبل.

وفي انتظار من سيشارك في "موسم الحج" الى موسكو قبل نهاية العام الحالي، فان الزيارة التي يفترض أن يقوم بها قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي في الصيف المقبل، يفترض أن تؤسس لتعاون عسكري بين الجيشين الروسي واللبناني، على أن يسبق حصولها انعقاد اجتماعات متواصلة للجان العسكرية اللبنانية الروسية المتخصصة من أجل وضع لوائح تفصيلية باحتياجات المؤسسة العسكرية اللبنانية (مروحيات وصواريخ جو أرض وراجمات وصواريخ "كورنيت" الذائعة الصيت وذخائر صاروخية وأعتدة عسكرية تقليدية وغيرها).

وكان لافتا للانتباه أن الروس وخلال استقبالهم الوفد الرسمي اللبناني الذي ضم سمير مقبل وثلاثة من كبار ضباط الجيش اللبناني، لم يتعاملوا بحماسة شبيهة بتلك التي تعاملوا بها مع زيارات وزير الدفاع الأسبق الياس المر عندما عرضوا تسليح لبنان بعشر طائرات "ميغ 29" من دون أي مقابل، فوافق المر ولم يكد يصل الى بيروت حتى بادر الى مراسلة وزارة الدفاع الروسية طالبا استبدال المنحة بمروحيات وأسلحة، قبل أن يقفل الباب على فرصة التسليح الروسي للجيش، بطلب رسمي أميركي.

ووفق التصور الذي عاد به الوفد اللبناني من موسكو، فان وزير الدفاع الروسي سيرغيه شويغو تمنى على نظيره اللبناني اعادة احياء وتحريك العقود الموقعة سابقا بين الجانبين، مبديا انفتاح موسكو وتعاملها الجدي مع أية عروض من شأنها زيادة القدرات العسكرية اللبنانية في الحرب على الارهاب.

يعني ذلك أن روسيا لن تبادر الى تقديم عروض جديدة كتلك التي قدمتها منذ ست سنوات للجيش اللبناني قبل أن تدير قيادته الظهر اليها، ولعل الاختبار يكون في قدرة الجيش على ترجمة بعض العقود وأبرزها تلك المتعلقة باعادة تأهيل راجمات صواريخ روسية الصنع يملكها الجيش اللبناني أثبتت فاعليتها ميدانيا في مواجهة المجموعات الارهابية المسلحة في الحدود الشرقية (منطقة جرود عرسال وجوارها)، فضلا عن اعادة تأهيل بعض الأعتدة الشرقية الصنع، وكلها كانت سوريا قد زودت لبنان بها بعد انتهاء الحرب الأهلية في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

أما الاختبار الثاني، فيتمثل في التزام لبنان بابرام العقود المتعلقة بشراء مروحيات من طراز "ام آي 24". ويتمثل الاختبار الثالث في ايجاد تمويل لصفقة "الكورنيت"(صواريخ مضادة للدروع استخدم "حزب الله" أحد أنواعها في "حرب تموز" 2006 ضد الجيش الاسرائيلي)، وهي صفقة كانت موسكو قد أبدت استعدادها لتزويد لبنان بها، علما أن الاتحاد الروسي يتعامل مع قضية التسليح للبنان وباقي الدول التي تشارك في الحرب ضد الارهاب، من زاوية حماية الامن القومي الروسي، وهي نقطة يركز عليها سفير روسيا في لبنان الكسندر زاسبيكين من خلال تلميحه المتكرر بأن أمن لبنان هو جزء من الأمن القومي الروسي

(روسيا اليوم)