أثار مقتل رجال شرطة الأحد قرب القاهرة انتقادات حادة لأجهزة الأمن المصرية التي تواجه تغيرا نوعيا في انتقال اغتيالات عناصر الشرطة من سيناء إلى القاهرة ومدن كبرى، وسط التباس في استراتيجية مقاومة العنف الذي ما إن يهدأ حتى يعاود التصاعد مرة أخرى.

وقتل مسلحون 8 من عناصر الشرطة المصرية، كانوا يستقلون حافلة صغيرة أثناء قيامهم بدورية لتفقد الأمن على إحدى الطرق الرئيسية في ضاحية حلوان المكتظة جنوب القاهرة.

ويشير الحادث إلى ضعف التنسيق الاستخباراتي وقلة المعلومات وفشل أجهزة الأمن في تعقب جماعات مسلحة تعمل وسط مدن مزدحمة وتوجه ضربات دقيقة لأهداف حيوية دون أن تواجه اشتباكا أو مقاومة تذكر من قبل رجال الأمن.

وتوقفت شاحنة صغيرة أمام الحافلة التي تقل رجال الشرطة، وفتح أربعة مسلحين ملثمين نيرانا كثيفة على الحافلة، ما أسفر عن مقتل ضابط برتبة ملازم أول و7 أمناء، قبل أن يتمكنوا من الفرار.

وسرعان ما نشرت الصفحة الرسمية للرئاسة المصرية بيانا صادرا عن الرئيس عبدالفتاح السيسي قال فيه إن الحكومة ستقتص من قتلة رجال الشرطة.

وأضاف “فقدنا اليوم شهداء جددا، وإنني أعاهد الله وأسرهم وأرواحهم الطاهرة بأن الدولة ستقتص لهم قصاصا عادلا وناجزا”. وفي بادئ الأمر، أعلنت جماعة أطلقت على نفسها اسم “المقاومة الشعبية” مسؤوليتها عن الحادث.

وقالت الجماعة على صفحتها على فيسبوك إنها كانت على علم مسبق بتحركات الدورية الأمنية، ونشرت رتب وأسماء القتلى كاملة. لكن بعد ساعات أصدر تنظيم داعش بدوره بيانا أكد مسؤوليته عن الحادث.

وكثيرا ما تحدث الإعلام المحلي عن اختراقات في صفوف أجهزة الأمن المصرية تسببت في وقوع عمليات اغتيال لعناصر أمنية تتابع قضايا حساسة ترتبط في أغلبها بقيادات تنظيم الإخوان المسلمين.

وفي نوفمبر من عام 2013، قتل ضابط برتبة مقدم في جهاز الأمن الوطني قبل أيام من الإدلاء بشهادة حاسمة في محاكمة الرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى الإخوان المسلمين ومساعدين له بتهمة التخابر واقتحام السجون بالتزامن مع احتجاجات يناير 2011.

وقالت مصادر حينها إن اغتيال الضابط وقع نتيجة تسريب معلومات عن تحركاته إلى مجموعة من الجهاديين يتعاونون بشكل وثيق مع تنظيم داعش.

ويقول الخبير الأمني رفعت عبدالحميد لـ”العرب” إن أجهزة الأمن في منطقة حلوان “كانت تتوقع حوادث إرهابية، ردا على تصفية الشرطة لخلية ‘كتائب حلوان’، التي قامت من قبل بعدد من العمليات الإرهابية الصغيرة، لكن عنصر المفاجأة هذه المرة أدى إلى وقوع عدد كبير من القتلى”.

وأضاف “خطورة الحادث تكمن في حرية حركة المسلحين، علاوة على تصوير العملية بكاميرا، واستخدام قوة نارية كثيفة بلغ عدد فوارغها أكثر من 150 طلقة، ثم تمكنهم من الهروب، وهو ما يعني أنهم درسوا وخططوا للعملية قبل أيام دون علم قوات الأمن”.

وجاء حادث الأحد بعد يوم من قرار محكمة جنايات القاهرة بإحالة أوراق 6 متهمين في القضية المعروفة في مصر بـ”التخابر مع قطر” إلى المفتي، والمتهم فيها أيضا مرسي ومدير مكتبه و9 آخرون.

وتخوض الحكومة المصرية حربا شرسة في شبه جزيرة سيناء ضد جهاديين تابعين لتنظيم “ولاية سيناء”، الفرع المصري لداعش، راح ضحيتها المئات من رجال الشرطة والجيش.

ورغم التراجع الكبير في نسبة العمليات الجهادية مقارنة بنفس الوقت من العام الماضي، وفقا لإحصائيات رسمية، يبدو أن الأمن المصري قد فشل حتى الآن في وضع حد لها، رغم تأكيد الجيش أنه قتل أكثر من ألف جهادي.

ولا يكون رجال الشرطة في مدن وادي النيل والدلتا عادة في حالة تأهب تحسبا لأي هجمات محتملة، رغم تكرارها.

وانهالت انتقادات عدة على وزارة الداخلية لسوء التدريب الذي يحظى به أفرادها، وقلة استعدادهم لمواجهة مسلحين غالبا ما ينفذون هجمات خاطفة على نقاط تفتيش أو مبان حيوية باستخدام سيارات مفخخة.

وتشتهر أجهزة الأمن الداخلي المصرية باتباع أساليب تقليدية في فرض الأمن، خاصة داخل المدن كالقاهرة التي تصنف باعتبارها مناطق آمنة.

وقال محمد هاشم الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ”العرب”، إن منطقة حلوان “من المناطق التي تشكلت فيها بعض الخلايا الصغيرة في محاولة من الجماعات المتشددة للتسلل إلى قلب القاهرة”.

 

صحيفة العرب