قال الياس سركيس حين انتخابه رئيساً للجمهورية مخاطباً اللبنانيين "أنني مواطن من صفوف هذا الشعب وشعوري الآن هو مزيج من الحزم والألم على ما أصاب لبنان... أخواني اللبنانيين،أنا منكم، أنا لكم، أنا معكم...". وخاطبهم عشية انتهاء ولايته فقال: "إنني أعرف جيداً الأيام المرّة والأليمة التي عشناها معاً... وإذ أدعو الله أن يحفظ لبنان لنا جميعاً... أقول لكم إني سأبقى معكم وفي صفوفكم كأي واحد منكم من أجل لبنان". وهذا ما تمسك به وحاول أن يثبته طوال ولايته... بل حياته. ان يكون للبنان.

ثلاث مراحل ميّزت مسيرة الياس سركيس نقرأها في كتاب عنه عنوان "أنا منكم... الرئيس الياس سركيس"، هي: مديراً في القصر الجمهروي في عهد فؤاد شهاب وحاكماً لمصرف لبنان في عهدي شارل حلو وسليمان فرنجيه، ثم رئيساً للجمهورية".
الياس بن يوسف النجار (مهنته) رفض مهنة والده، لكن العلم مكْلِف وان توّجه الايمان. نشأ مؤمناً وهكذا مات. إيمانه بالعلم دفع به الى "غربة" فرير الجميزة حيث تقيم جدته في شارع عبد الوهاب الانكليزي تعدّ الطعام للعائلات. درس في ضوء قنديل الكاز وترفّع، حتى صف الفلسفة. سعى الى وظيفة وهو على مشارف الثماني عشرة سنة، فجلس على كرسي قشّ في مصلحة السكك الحديد بدلاً من مقعد الصف. تحصيلاً لمعيشته. وبعد ثلاث سنوات عاوده الحنين الى العلم والارتقاء فدرس ليلاً ونال شهادة الفلسفة. ثم درس الحقوق في اليسوعية في سن الرابعة والعشرين. ترك الوظيفة ليتدرج في المحاماة. توكل مرّة في دعوى كان يعرف أنها خاسرة. بعد الحكم وجد نفسه يرد المال الذي تقاضاه الى الموكل. اخفق في دخول سلكي الخارجية والقضاء رغم فوزه فيهما بسبب تدخلات سياسية. توسط له ابن بلدته الدكتور الياس بعقليني لدى الأمير جميل شهاب رئيس ديوان المحاسبة فوظفه في الديوان عام 1956، حيث انفتحت أمامه مسيرة حياته، حين تعرف بحكم مراقبته حسابات وزارة الدفاع، الى قائد الجيش ووزير الدفاع اللواء فؤاد شهاب، فصار رجل ثقة الرجل القوي في الدولة، خصوصاً حين أضحى مستشاراً في ديوان القائد.
ولما وصلت رئاسة الجمهورية الى فؤاد شهاب، دخل الياس سركيس دائرة القرار حين صار مستشاراً قانونياً في القصر. ومع الوقت تقدمت مكانته لدى الرئيس الذي وثق به واتكل عليه أكثر من غيره من المعاونين فبات الأكثر نفوذاً والأكثر اخلاصاً وصدقية في العمل، حتى سمي "حاكم الظل" في المقر الرئاسي. 
أثبت سركيس في منصبه أنه رجل ثقة شهاب، فلم تكن لديه طموحات سياسية خاصة. ولم يظهر ما يدل على أنه يستغل منصبه وقربه من الرئيس من أجل منافع شخصية، ولم يكن يريد شيئاً لنفسه خلافاً لبعض رجال السياسة المحيطين بالقصر. 
توقع له شهاب ان يصبح رئيساً للجمهورية اذا حافظ على سلوكيته وانضباطه في خدمة الدولة، حين بلغه ان إميل البستاني صاحب شركة "كات" عرض عليه راتباً مغرياً جداً شهرياً ليعمل عنده، لكنه رفض.
حسّاده حتى بين الشهابيين أنفسهم، اطلقوا عليه لقب "الديكتاتور  الصغير" لأنه "كان بمثابة حرف لا يقرأ لا تنفع معه وساطة ولا شفاعة للوصول الى مأرب خاص اذا كان مخالفاً للأصول والقوانين والأعراف والأنظمة". ولقبه البعض بـ"البابا الأسود" ووصف بأنه "الصامت الثاني بعد الصامت الأول" وانه "يملك سرّ الرئيس وأحياناً يوحي اليه كلمة السر". وكانت كلمته مسموعة عند شهاب الى درجة انه عندما يقال إن "الاستاذ" قال، فيعني أن الرئيس قال.
قربه من الرئيس جعله يكتشف أسرار الرئاسة وأسرار السياسيين وشخصياتهم و"عرفهم عن الغايب" وهذا أفاده في مرحلة لاحقة حين صار رئيساً.
"حاكم الظل" التسمية التي اطلقت عليه في عهد شهاب، مارسها فعلياً في عهد شارل حلو الذي رشحه شهاب رئيساً بعده. حاول حلو التخلص من وجوده "رابوقاً" لشهاب في القصر، فعينه رئيساً للمجلس الأعلى للجمارك بالأصالة وابقاه مديراً عاماً للقصر الجمهوري بالوكالة لكنه عاد فتراجع عن قراره وثبته في مركزه، الى ان عينه حاكماً لمصرف لبنان، بعد أزمة "انترا". امتعاض حلو الذي دفعه الى خطوته، عبّر عنه بقوله لرئيس الشعبة الثانية المقدم غابي لحود: "اشعر في القصر بأن الرئيس هو الياس سركيس وأنا مدير التشريفات... يطلب النواب مقابلتي فاستقبلهم... يتحدثون معي عن الاميركيين والسوفيات والطقس، ثم يخرجون ويعرّجون على مكتب سركيس ليعرضوا مطالبهم الحقيقية... كأنهم يمرون على مكتبي لتبرير زيارتهم لمكتب سركيس...".
حل موعد الانتخابات الرئاسية عام 1970، سعى البعض الى ترشيح شهاب، فرفض وسمّى الياس سركيس لمواجهة سليمان فرنجيه، الذي فاز بفارق صوت واحد.
بعد الحملة على ضباط الشعبة الثانية وملاحقتهم، حاول صائب سلام وريمون إده استكمال الحملة على الشهابية باخراج احد أبرز رموزها الياس سركيس من حاكمية مصرف لبنان، لكن الرئيس فرنجيه رفض الأمر وأمّن له الغطاء السياسي والرئاسي، وقال: "كان خصمي في انتخابات الرئاسة، لكنه ليس خصمي الى الأبد. إنه يقوم بواجبه في المصرف المركزي وليس لي مأخذ عليه، فلماذا يجب ان نغيّره؟ ثم مدّد له ستة اعوام في الحاكمية، لكنه أمضى ثلاثة منها، قبل ان ينتخب رئيساً عام 1976.
انتخب سركيس رئيساً في أجواء حرب، وفي ظل الأسنة والحراب، كما يقال، وتعرض مركز حملته في الكارلتون لهجوم مسلح بعد انتخابه. جاء به السوريون فصار خصمهم بسبب تمسكه بسيادة لبنان ورفضه وصايتهم التي بدأت مذذاك. وجاء بسليم الحص رئيساً للحكومة، لكنه خرج من الحكومة بعد أربع سنوات على غير وفاق مع الرئيس.
حاول البحث عن حل سياسي فاصطدم بكمال جنبلاط وياسر عرفات الباحثين عن حل عسكري وبالقيادة السورية التي حرّكتها المطامع في لبنان. ثم جاء اغتيال السوريين لجنبلاط واغتيال الكتائب لطوني فرنجيه ليدقا المسامير في نعش هذا الحل.
في عهده انتهت حرب السنتين بدخول قوات الردع العربية، التي صارت سورية، ثم بدأت حروب اقليمية أوسع: حرب سورية مصرية، حرب سورية فلسطينية، حرب سورية اسرائيلية، وحرب فلسطينية اسرائيلية واجتياح اول عام 1978. حتى كان اجتياح اسرائيل لأول عاصمة عربية، هي بيروت عام 1982. مع نهاية ولايته، حاول تشكيل قوى من الجيش فاصطدم بعراقيل وضعتها الميليشيات والفصائل الفلسطينية والقيادة السورية.
وكان قدر لبنان ان يعود الى دائرة الانفجارات التي تفاقمت عام 1978. وهكذا ايقن سركيس أن مسيرة الحكم تعثرت وانه لن يستطيع ان يحكم كما حلم، وانه يدير أزمة أكبر منه ومن لبنان، وأنه يتحول لاعباً محدداً دوره في قصر بعبدا. وان قوات الردع السورية لا تأتمر بأمره، وانه لا يستطيع ان يسكت عن قصف الجيش الموضوع بأمرته صورياً للسكان المدنيين في المناطق المسيحية. وكان هذا أحد أخطر الافتراقات بينه وبين الرئيس السوري. أحرج سركيس بين الطرفين المتقاتلين: الميليشيات المسيحية والجيش السوري، وكل طرف منهما يتهمه بتغطية ارتكابات الطرف الآخر، فأوحى بالاستقالة في 6 تموز 1978 وأسرّ الى المقربين منه أنه "يجب الاتجاه نحو نظام اللامركزية الموسعة بحيث يحافظ على تركيبة الدولة الواحدة التي تنظم بداخلها وحدات طائفية لكل منها استقلالها الذاتي". واعتبر أن "هذا هو موضوع ميثاق وطني جديد"، والسؤال لماذا لا يتحول الاستقلال الذاتي الواقعي لكل طائفة في مناطقها الى لامركزية واسعة يرعاها قانون عصري؟ ولماذا لا يطالب اللبنانيون بقانون يسن اللامركزية الواسعة التي يمارسونها فعلياً وان اتقوا اعلانها الا كل طائفة في اطارها الضمني؟
وأدت تصرفات سوريا الى  تمسك سركيس بعدم تجريد الميليشيات المسيحية من سلاحها، وهو مطلبها، ما دام اتفاق القاهرة لم يطبق، وهو دورها.
بعد أربع سنوات وعلى رغم كل الظروف التي مرّ بها، تمكن من تشكيل وحدات من الجيش و"رسّخ مرجعية الرئاسة والسلطة".
بعد استقالة حكومة الحص الثانية في تموز 1980، بحث الرئيس سركيس عن شخصية سنية يتعاون معها، فاختار شفيق الوزان، فرفضته سوريا، وتشبث سركيس به. وفي 25 تشرين الثاني، اي بعد أكثر من ثلاثة أشهر، وافقت سوريا على حكومة الوزان مقابل عدم مشاركة سركيس في قمة عمّان.
عمل سركيس على الانفتاح على بعض القيادات اللبنانية من الطرفين، فنجح مع بشير الجميل وأمّن له الطريق الى واشنطن، ووضع ورقة عمل مع وليد جنبلاط الذي لم يكمل الطريق خوفاً من السوريين، الذين تمادوا في حربهم للسيطرة على القوة المسيحية التي شكلت دائماً حجر عثرة في طريقهم للسيطرة على لبنان كله، بعدما طوعوا بقية الطوائف والقوى. 
فتح الاجتياح الاسرائيلي الباب لبشير الجميل للترشح للرئاسة، وفتح له سركيس باب السعودية بعد أميركا. وتمكن بمساعدة سركيس من تأمين النصاب لانتخابه على رغم المقاطعة الاسلامية. انقطع حلم سركيس بأن يحقق بشير ما عجز هو عن تحقيقه، اي توحيد لبنان وتحقيق السلام، عندما اغتيل الجميل في 14 أيلول 1982، قبل أن يتسلم الرئاسة في 23 منه، لكنه سلمها لاحقاً الى أمين الجميل الذي انتخبه معارضو أخيه.
خرج سركيس من القصر تاركاً ملايين الدولارات في حساب خاص برئاسة الجمهورية في المصرف المركزي. كان المال موضوعاً بتصرفه، ولكنه لم يتصرف به.

وفي حزيران 1985، ودّع الدنيا اثر اصابته بمرض "تشاي دارغر" الذي يشلّ الأعصاب والعضلات.

جوزيف باسيل   النهار