تنطلق الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، الأحد، من العاصمة بيروت ومنطقة البقاع في شرق البلاد، وتستمر حتى الـ29 من هذا الشهر.

وتكتسي انتخابات هذه السنة طابعا مميزا، مقارنة بالمرات السابقة، خاصة وأن القوى السياسية في لبنان تعتبرها فرصة مهمة لمعرفة نبض الشارع، وهي بمثابة اختبار فعلي لشعبية هذه القوى ومدى حضورها.

وهذه أول انتخابات مباشرة تجرى في لبنان منذ العام 2010، حيث لم تنظم انتخابات برلمانية منذ العام 2009 وتم التمديد مرتين للبرلمان الحالي الذي فشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد، بسبب الخلافات والانقسامات السياسية التي يتداخل فيها المحلي والإقليمي والدولي.

وعلى خلاف السابق وإدراكا منه بأهمية هذا الاستحقاق خاصة مع دخول عناصر جديدة على خط العملية الانتخابية، سجل استنفار لافت لتيار المستقبل على أعلى مستوى في العاصمة.

وانخرط زعيم التيار سعد الحريري بنفسه في الحملة، فالمسألة لم تعد بالنسبة إليه مسألة فوز باللائحة التي يدعمها لبلدية بيروت، بل هي استفتاء في قلب العاصمة على شعبيته وتياره بالأرقام التي ستفرج عنها صناديق الاقتراع.

ويواجه التيار الأزرق منذ عودة الحريري إلى لبنان، حملة شرسة تشكك في شعبيته في مناطق نفوذه (بيروت وطرابلس خاصة)، وهو ما يعزز من إصراره على تحقيق قفزة في هذه الانتخابات.

ولكن تحقيقه لذلك لن يكون بالأمر الهين خاصة وأنه يلاقي منافسة شرسة من لوائح مستقلة، نجحت في استمالة عدد مهم من البيروتيين الحانقين على الوضع الذي بلغته مدينتهم. فبيروت التي كانت تلقب لوقت قريب بباريس الشرق، باتت اليوم شوارعها ومساحاتها الخضراء مكبا للنفايات، تناقلت صورها الشاشات، في ظل عجز المجلس البلدي والحكومة على إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة.

ويقول متابعون لهذا الاستحقاق إن تيار المستقبل لم يحسن قراءة موقع منافسيه مبكرا. وبدا متفاجئا من قوة الحملة الانتخابية للوائح الخصوم، لا سيما لائحة “بيروت مدينتي” المكونة من فنانين ومهندسين، ليست لديهم أي ارتباطات سياسية وهي نقطة تحسب لهم في ظل التغير الملموس في المزاج العام اللبناني تجاه نخبته السياسية.

ويبدو أن هذه اللائحة نجحت حقا في كسب معركة الوسائط الاجتماعية، فيما مازال التيار يعتمد الأساليب التقليدية، لا سيما الإعتماد على شعبية الزعيم وانخراطه الشخصي، والنهل بإفراط من ذكرى الرئيس الراحل رفيق الحريري والتذكير بخطّه ورؤاه وإنجازاته.

ويشعر المراقب أن تململا ما يروج داخل جمهور المستقبل في بيروت، وأن شعار “زي ما هي” الذي يطلب من الناخب وضع اللائحة كاملة “كما هي” داخل الصندوق ودون أي “تشطيب”، لم يعد شعاراً جاذباً ولو أنه موروث عن الحريري الأب، وأن نزق البيروتيين قد لا يهضم لائحة “البيارتة” التي يدعمها الحريري الابن.

وفي الإحصاءات هناك 476 ألف ناخب في بيروت. وفي الانتخابات السابقة عام 2010 بلغت نسبة المقترعين 18 بالمئة فقط. والرهان هذه الأيام على رفع تلك النسبة، إلا أن استقدام المزيد من الناخبين قد يرفع من حظوظ لائحة “بيروت مدينتي” المتقدمة لدى الناخب المسيحي أكثر منه لدى المسلم.

استطلاعات الرأي تفصح عن تقدم مريح للائحة “البيارتة” الحريرية، لكن التيار يبقى قلقا من مفاجآت قد تخترق لائحته أو حتى تطيح بها في الساعات الأخيرة.

وإذا ما أفصح سعد الحريري عن حرص على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين داخل المجلس البلدي، ففي ذلك أيضا رسالة للناخب المسيحي بدعم الخيار السياسي الأصح ضد الخيار المدني المجهول.

وبقول في هذا الصدد النائب عن كتلة المستقبل عاطف مجدلاني لـ“العرب” “عنوان المعركة هو وكما نكرر دائما، المناصفة والعيش المشترك والخوف كل الخوف من أن تضرب هذه العناوين، لذا نشدد عليها”.

وشدد مجدلاني على أن المناصفة وحدها الضمانة الباقية في ظل غياب الرئيس، وضعف المؤسسات.

وسيعتمد تيار المستقبل على الرافعة السنية كأساس لتقدمه مقابل لائحتي “مواطنون ومواطنات في دولة” المدعومة من الوزير “العوني” السابق شربل نحاس، و “بيروت مدينتي” التي تستقوي بأعضائها المنتمين جميعاً إلى المجتمع المدني بقطاعاته الإنمائية والاجتماعية والثقافية.

وتكمن أهمية معركة بيروت بالنسبة إلى المستقبل في أنها مؤشر لنفوذه في مناطق أخرى، لا سيما داخل الطائفة السنية، في ظل الحديث عن بروز وجوه أخرى تحظى بالرعاية السعودية.

وأكد الحريري، الجمعة، أنه ليس خائفا من النتيجة في هذه الانتخابات، لافتا إلى وجود منافسة ومن الضروري الاحتكام إلى النتائج في هذا الاستحقاق.

وفي النهاية تبقى ساعات تفصل المراقب عن الحقيقة، فما بين التحليل والأرقام “صبر ساعة”، لكن الثابت أن أهل بيروت يطرحون أسئلة حول التيار والزعيم، وحول الأداء السياسي وكذلك الإداري الذي قدمه المجلس البلدي السابق مستقبلي الهوى، ثم إن غياب استفزاز من قبل حزب الله وزعيمه، كما كان يحدث في انتخابات سابقة، قد يمعن في رفع منسوب التسرّب في شعبية “الشيخ” لصالح لوائح تضم وجوها جديدة منزهة عن آثام السياسة.

وقال حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله، الجمعة، “مسؤوليتنا الوصول إلى أفضل ما يكون بهذه الانتخابات بأقل خسائر ممكنة”، ولفت الى أن “هناك بعدا سياسيا للانتخابات البلدية لكن يجب الحفاظ الأساسي على البعد الخدماتي والإنمائي”.

وأشار إلى أن “حزب الله وحركة أمل شكّلا لوائح انتخابية في الأغلبية الساحقة من المناطق”، ولفت إلى أنه “لا يمكن تشكيل لائحة انتخابية ترضي كل الناس فهناك من يقبل وهناك من يرفض الترشيحات”.

 

 

العرب