هاجم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي غريمه مقتدى الصدر محمّلا إياه مسؤولية الأزمة السياسية الخانقة التي يعيشها العراق ومتهما إياه بـ”العيش من أجل الزعامة”.

وجاء ذلك بعد تحوّل الحراك الكثيف للصدر إلى مأزق حقيقي للمالكي وعدد آخر من كبار القادة السياسيين العراقيين، لا سيما كبار قادة ورموز الأحزاب الشيعية الحاكمة الذين تحوّلوا في نظر رجل الشارع العراقي إلى رموز للفشل والفساد والتناحر على السلطة، وارتبطت أسماؤهم بالأزمة الشاملة التي يعيشها العراق راهنا على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية.

وأصبح مقتدى الصدر- الذي لم يتورّط بشكل مباشر في تجربة الحكم الفاشلة- بمثابة الاستثناء بين هؤلاء، محتفظا بقدر هام من الشعبية استخدمه مؤخّرا في الالتفاف على الحراك الاحتجاجي العارم في الشارع بتزعمّه وتوجيهه لمصلحته.

واستفاد الصدر من تحييد المالكي له عن دائرة السلطة طيلة ترؤسه للحكومة بين سنتي 2006 و2014، ما يجعله اليوم غير مسؤول عما آلت إليه أوضاع البلد.

وتجنّب نوري المالكي في تغريدة أطلقها الخميس عبر تويتر ذكر الصدر بالاسم، لكن الإشارة إلى غريمه كانت واضحة من خلال نقده لعملية اقتحام مجلس النواب السبت الماضي والتي نفّذها أتباع للصدر احتجاجا على رفع جلسة برلمانية من دون التصويت على حكومة التكنوقراط التي تتحدّث مصادر عن أنّ زعيم التيار الصدري ذاته هو من اختار أغلب الأسماء المقترحة لتشكيلها.

وقال المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون ورئيس حزب الدعوة الإسلامية، في تغريدته إن “الذين هاجموا شرعية الدولة التي يمثلها البرلمان ينبغي ألا يكون لهم موقع في العملية السياسية”.

وأضاف أن “الحالة الزئبقية في المواقف والعيش من أجل المنفعة والزعامة هي ما أوصل البلد إلى هذا التغيير”.

وجاء كلام المالكي في وقت تردّدت فيه أنباء عن وجود مقتدى الصدر في طهران، الأمر الذي يثير مخاوف خصومه السياسيين من أن يتمكّن زعيم التيار الصدري من انتزاع اعتراف إيراني به كزعيم للبيت السياسي الشيعي العراقي في ظل صعوبة مواصلة الرهان على الزعماء والقادة التقليديين بعد أن فقدوا ثقة الشارع الذي بات يطالب علنا بتحييدهم ومحاسبتهم على ما آلت إليه أوضاع البلاد.

وتعتبر خسارة الدعم الإيراني وتحوّله إلى مقتدى الصدر بمثابة “نكبة سياسية” لنوري المالكي، ونهاية عملية لأي طموح له للعودة إلى منصب رئاسة الوزراء، بل إن صعود الصدر إلى السلطة، ولو بشكل غير مباشر عن طريق أتباع له، قد يعني إخضاع المالكي للمحاسبة في عدد كبير من القضايا يتصل بعضها بالفساد وهدر مبالغ طائلة من أموال الدولة طيلة فترتي رئاسته للوزراء، ويتصل البعض الآخر بالمسؤولية عن انهيار القوات المسلّحة ووقوع مساحات شاسعة من أراضي البلاد تحت سيطرة تنظيم داعش وما ترتب عن ذلك من مآس لا حصر لها.

ومنذ إرغامه بضغط أميركي إيراني على مغادرة سدّة الحكم وتسليم منصب رئاسة الوزراء لحيدر العبادي الذي ينتمي بدوره إلى حزب الدعوة الإسلامية، لم ينقطع نوري المالكي عن المناورة للعودة إلى رئاسة الحكومة.

ومني المالكي مجدّدا بخيبة أمل حين بدا أن العبادي لا يزال رغم الأزمة السياسية الحادّة موضع وفاق أميركي إيراني، فيما مقتدى الصدر يكتسح الشارع ويستخدم موجة الغضب الشعبي وفورة المطالبة بالإصلاح كورقة ضغط لانتزاع اعتراف بدوره وبقدرته على المساهمة في قيادة البلاد في هذه المرحلة الحرجة.

والصدر والمالكي ليسا مجرّد غريمين سياسيين في صلب العائلة السياسية الشيعية الموسّعة، بل عدوّان تواجها بالسلاح سنة 2008 حين وجّه المالكي الذي كان يرأس الحكومة آنذاك الآلة العسكرية للدولة لكسر ميليشيا جيش المهدي بقيادة الصدر التي قويت شوكتها آنذاك بشكل كبير، في عملية عسكرية انطلقت في شهر مارس من السنة المذكورة تحت اسم “صولة الفرسان”، وخلّفت المئات من القتلى والجرحى وأفضت إلى تسليم الصدر بالهزيمة وإعلانه تجميد نشاط جيش المهدي. ودأب مقتدى الصدر منذ إسقاط الاحتلال الأميركي لنظام الرئيس السابق صدّام حسين، ومجيء نظام الأحزاب الدينية، على البحث عن مكانة سياسية كبيرة يرى نفسه جديرا بها، نظرا لمكانة عائلته في مجال التدين الشيعي ودورها في معارضة نظام حزب البعث، لكن ذلك لم يتحقّق له في ظلّ وجود شخصيات شيعية كانت أكثر منه نيلا لثقة إيران ذات الدور الكبير في تحديد ملامح المشهد السياسي العراقي، ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء السابق وزعيم حزب الدعوة نوري المالكي.

وأتيحت للصدر فرصة ذهبية في ظلّ شيوع الغضب الجماهيري من تردّي أوضاع العراق على مختلف المستويات، ومن شيوع الفساد وتعطّل قنوات الإصلاح، ليقفز إلى الواجهة كزعيم للحراك الاحتجاجي الذي انتهى إلى اقتحام مبنى البرلمان في الثلاثين من الشهر الماضي.

ويرى متابعون للشأن العراقي أن المواجهة بين مقتدى الصدر ونوري المالكي ليست إلا في بدايتها مؤكّدين أن رئيس الوزراء السابق ليس بوارد الاستسلام في معركة تعتبر مصيرية بالنسبة إليه. وذهب هؤلاء إلى حدّ التحذير من تطوّر الصراع السياسي بينهما إلى صدام عنيف.

وأعلن مصدر أمني في محافظة البصرة بجنوب العراق، الخميس، تفجير مجهولين لعبوة ناسفة محلية الصنع أمام منزل نائب عن كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري، في عملية لم تستثن مصادر في الكتلة أن تكون “رسالة ترهيب سياسي”.

 

صحيفة العرب