أثار الإعلان عن خطط لتوسيع حجم التعاون العسكري بين موسكو وطهران، تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين البلدين، بين فريقين يرى أحدهما أن إيران «حليف استراتيجي» لروسيا وآخر يعتبر أن المصالح الوقتية تضع أسساً لشراكة مهمة، لكنها لا تبدو مرشحة للتحول إلى تحالف.

وعلى رغم أن موسكو تؤكد أن طبيعة تعاونها العسكري مع طهران «لا يمكن أن تقلب موازين القوى» في المنطقة، باعتبار أن صادرات روسيا من الأسلحة والآليات الحربية تدخل كلها في خانة «التقنيات الدفاعية»، ولا يُجرى الحديث حالياً على الأقل عن تزويد الإيرانيين بأسلحة أو معدات هجومية، لكن الجزء الأكبر من الخبراء الروس يتفق على أن تعزيز القدرات الدفاعية يشكل عاملاً حاسماً في ضمان تفوق إيران إقليمياً، خصوصاً أن لديها مصادر تسلح أخرى مهمة، بينها الصناعات المحلية والواردات من الصين والكوريتين الشمالية والجنوبية أخيراً، بعد توقيع صفقة مهمة تصل قيمتها إلى نحو بليوني دولار.

كما أن هذا التأكيد يقابله نقاش جار بين موسكو وطهران حول تزويد الأخيرة بمعدات حديثة يرى بعضهم فيها محاولة لجعل موازين القوى في المنطقة في مصلحة الإيرانيين، بينها مقاتلات حديثة من طراز «سوخوي» ودبابات «تي 90» التي تعد الجيل الأكثر تطوراً في روسيا. وهذا يأتي بعد إتمام صفقة صواريخ «إس 300»، وبدء الحديث عن صفقات مماثلة محتملة في مجال الدفاع الجوي.

ولا تعكس آراء الخبراء دائماً في روسيا حقيقة ما يجري على الأرض، وفي حالات عدة كما في سورية، تصرّف الكرملين بطريقة مغايرة تماماً لكل توقعات مراكز البحث بما فيها القريبة منه.

ولا تخفي المؤسسات الروسية التي تحتكر تجارة السلاح، رهانات كثيرة على الشراكة مع طهران، وهي ترى التوقيت «الدولي والإقليمي» مناسباً لـ «اقتحام» السوق الإيرانية الواعدة في مجال التسلح، التي يصل حجمها حاليا وفق تقديرات إلى 15 بليون دولار، تريد موسكو أن تخرج منها بحصة الأسد.

وهذا التوجه يحظى بإجماع في أوساط الخبراء على رغم أن التباين في مواقف فريقين منهم يظهر عندما يدور الحديث عن طبيعة الأهداف التي يسعى إليها الكرملين في إيران. ويشدّد فريق منهم على «التحالف الاستراتيجي» الذي يمكن أن يقود على المدى البعيد إلى اتفاق على إقامة قواعد عسكرية روسية أو مشتركة على الأراضي الإيرانية، بهدف تعزيز القدرات الروسية، خصوصاً على صعيد تأمين تحركات القوات عبر بحر قزوين من دون الاضطرار إلى المرور في المجال التركي عبر مضيق البوسفور أو الدردنيل.

بينما يتحفظ فريق آخر على إطلاق «توصيفات استراتيجية» على العلاقة، ويرى أن إيران شريك مهم لروسيا، لكنها لا يمكن «أن تكون حليفاً أبداً» بحكم أن العلاقة الثنائية تشبه إلى حد بعيد علاقة موسكو وبكين، لجهة تطابق المصالح والفوائد المتبادلة مع اختلاف الرؤى البعيدة المدى.

وبين الموقفين، تخوض موسكو معركتها حالياً للفوز بأوسع عقود ممكنة في إيران، وهي لا تقتصر على البعد العسكري في التعاون، فالمجالات تتسع إلى الفضاء والطاقة النووية وسكك الحديد وغيرها.

ووفق مدير مركز الرؤية الاستراتيجية إيفان كونوفالوف، فإن إيران تسابق الزمن لفرض هيبتها كقوة رئيسة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ما يعني أن الفرصة التاريخية حالياً، بيد روسيا كشريك أساسي.

رغم أن دروس التاريخ لا تبدو في مصلحة الروس الذين خذلوا «الشريك» مرتين، واحدة عام 1995 عندما تم توقيع مذكرة تفاهم «غور - تشورنوميدين» التي جمدت التعاون العسكري الذي كان نشطاً في تسعينات القرن الماضي بين موسكو وطهران. والثانية عام 2010 عندما تراجعت موسكو عن تنفيذ عقد «إس 300»، ما أجل وصول الصواريخ إلى إيران ست سنوات إضافية.

لكن الجديد في رأي الخبير أن إيران «لم تعد واحدة من أوراق الشد والجذب بين موسكو وواشنطن» ما يوفر فرصاً أكبر للمناورة.

يبقى طرف آخر في المعادلة، هو «شريك روسيا الثاني» إسرائيل التي «لا تبدو متخوفة كثيراً كالسابق من تسليح إيران ومن قدراتها العسكرية»، وباتت تفضل «أن تراقب تطورات المنطقة بدقة من دون أن تكون طرفاً فيها».