تصاعدت وتيرة الغضب الشعبي والحزبي والنقابي في مصر، على خلفية قيام قوات الأمن باقتحام مبنى نقابة الصحافيين، والقبض على صحافيين في خطوة غير مسبوقة تعكس تردي مناخ الحريات في هذا البلد الذي شهد منذ عام 2011 “ثورتين” حملت عناوينهما الرئيسية المطالبة بـ”الحرية والكرامة” وكف يد وزارة الداخلية عن ممارساتها المسيئة.

وقال يحيى قلاش، نقيب الصحافيين المصريين لـ”العرب”، الاثنين إن وزارة الداخلية بدت وكأنها “تعمل ضد النظام وتحاول توريطه، وتسببت طوال الفترة الماضية، جراء ممارساتها المشينة، في تشويه صورة مؤسسات الدولة أمام الداخل والخارج”.

واعتبر أن الحد الأدنى لحل الأزمة إقالة وزير الداخلية مجدي عبدالغفار لإعادة الأمور إلى نصابها، لأنه لا يصح أن يتحدث رئيس الدولة عن ضمان حرية الرأي والتعبير وتقوم قوات الأمن باقتحام النقابة واعتقال عشرات الصحافيين على مدار أيام.

وكانت نقابة الصحافيين قد عقدت اجتماعا طارئا في وقت متأخر من ليل الأحد وامتد حتى الساعات الأولى من صباح الاثنين، دعت إثره إلى التئام الجمعية العمومية للنقابة الأربعاء (غدا) “لاتخاذ القرارات المناسبة”.

ويتوقع أن تقدم النقابة على اتخاذ إجراءات تصعيدية ردا على اقتحام مبناها واعتقال الصحافيين عمرو بدر ومحمود السقا لمجرد اعتراضهما على قرار إعادة جزيرتي صنافير وتيران للمملكة العربية السعودية.

وتتعزز هذه التوقعات بعد تأكيد النيابة العامة التهم المنسوبة إلى الصحافيين وهي نشر الأخبار والشائعات الكاذبة واستغلالها في الدعوة والتحريض – من خلال وسائل التواصل الاجتماعي – على المظاهرات وما يعنيه ذلك من اشتباك مع قوات الشرطة وأفراد القوات المسلحة واعتداء على المنشآت العامة والحيوية ومهاجمة الأقسام.

وتعد خطوة اقتحام نقابة الصحافيين، الأولى من نوعها منذ تأسيس النقابة قبل 75 عامًا، ما دفع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ونواب بالبرلمان ووسائل إعلام إلى دق جرس الخطر ومطالبة السلطة السياسية بضرورة إقالة وزير الداخلية الذي تم استدعاؤه للمساءلة تحت قبة البرلمان.

وخلال الأسابيع الأخيرة دأبت قوات الأمن على القيام بممارسات تسببت في زيادة الاحتقان في الشارع المصري، كان آخرها اقتحام مقر حزب الكرامة وإلقاء القبض على متظاهرين احتموا بداخله خلال مظاهرات 25 أبريل الماضي للتنديد بإعادة مصر جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ضمن اتفاقية تعيين الحدود بين البلدين.

وسبقت هذه الخطوةَ تحركات أكثر سخطًا حينما قامت قوات الأمن باقتحام مقاهٍ وسط القاهرة وإلقاء القبض بشكل عشوائي على عدد من النشطاء والصحافيين بحجة التصدي مبكرًا لدعوات التظاهر، على الرغم من نفي مؤسسة الرئاسة في اليوم نفسه وجود نية لديها لتعطيل المظاهرات أو تكليف الداخلية بإحباطها مبكرًا، ما وضع النظام في حرج بالغ.

وقد شبه بعض المراقبين الأوضاع الحالية بما كانت عليه في السنوات الأخيرة لعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث بلغت تجاوزات الشرطة حدا مؤسفا، انتهى باندلاع ثورة 25 يناير 2011، سخطا على أداء العاملين في وزارة الداخلية.

وتحاول الحكومة المصرية بشتى الطرق نفي التهم الموجّهة إليها من منظمات وحكومات غربية بأنها تعادي حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، في وقت تقوم خلاله وزارة الداخلية باعتقال صحافيين ورسامي كاريكاتير، وآخرهم أسامة جاويش، ومحاولة ضبط وإحضار خالد البلشي رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحافيين بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم.

وبسبب هذه الممارسات المتوالية لمّحت روما إلى مسؤولية قوات الأمن المصرية عن مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر عليه جثة هامدة مطلع شهر فبراير الماضي، وهي التهمة التي نفتها الداخلية المصرية ثم أدانت نفسها بالإعلان عن ضبط عصابة متخصصة في سرقة الأجانب، وقالت إنها مسؤولة عن قتل ريجيني، وهي الرواية التي وصفتها روما بأنها “درب من الخيال”، ما زاد النظامَ ورطةً أمام الخارج.

غير أن الصدام الأخير بين الداخلية والصحافيين كان التطور الأخطر، خاصة أنه ينظر إلى مبنى النقابة على أنه قلعة للحريات في مصر، ما دفع إعلاميين وأحزابا ومنظمات محلية إلى اعتبار واقعة اقتحامه إساءة بالغة للنظام، وتوريطا شديدا له أمام العالم، لدرجة أن البعض اتهم وزارة الداخلية بأنها تعمل ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي.

ولا يخفي السيسي انزعاجه من أداء وزارة الداخلية وعلى رأسها مجدي عبدالغفار، الذي وجه له انتقادات حادة أثناء افتتاحه السبت الماضي مقرا لوزارة الداخلية بحي القاهرة الجديدة، بسبب اعتماد الوزارة على خطط تأمين تقليدية لتحصين المبنى.

ويرى حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، “أن ما قامت به المؤسسة الأمنية هو إساءة للنظام والحاكم والدولة برمتها، وعناد شديد مع الشارع في وقت تتصاعد خلاله حدة التوتر والانقسام والغضب على بعض القرارات”.

وأكد لـ “العرب” أنه حتى لو كان الإجراء المتخذ بحق النقابة قانونيًا، فإن تطبيقه من الناحية السياسية سيء للغاية، وينم عن “غياب النضج والرشد”.

وأضاف أن هذه الممارسات تظهر النظام وكأنه “لا يريد الرأي الآخر”، ويحاول تكميم الأفواه، ما يضعه في مواجهة مع قوى الداخل والخارج، وفي النهاية لا يستطيع تبرئة نفسه من أي هجوم، ما يزيد من حالة الاحتقان والغليان، ويمحو كل الإيجابيات التي قامت بها مؤسسات الدولة طوال الفترة الماضية.

من جانبه اعتبر محمد سامي، رئيس حزب الكرامة الذي تعرض للاقتحام من قوات الأمن قبل أسبوع، أن ممارسات وزارة الداخلية تنتقص من شعبية ورصيد السيسي الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية، ويسعى بشتى الطرق لأن يقيم دولة مؤسسات تحترم المواطن وتعلي من قيمة القانون والدستور، وما تفعله قوات الأمن لا يتفق مع هذا أو ذاك.

وقال لـ”العرب” إن اقتحام حزبه من قِبل قوات أمن ملثمة للقبض على شباب أعزل خرج ليعترض على قرار ما، يُمثل سابقة خطيرة جدًا، مثلما هو الأمر مع نقابة الصحافيين، وهذا أمر لم يعد يحتمل الصمت عليه.

أحمد حافظ: صحيفة العرب