تأتي الزيارة “المفاجئة” التي قام بها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى الرياض الأربعاء لترد على تساؤلات راجت في الأيام السابقة حول غياب الأردن عن القمة الخليجية التي استضافت العاهل المغربي الملك محمد السادس.

وتؤكد زيارة الملك عبدالله الثاني وضوح المسعى السعودي الأردني المشترك لتأكيد انتمائهما إلى نفس التصوّر الاستراتيجي الذي ترتسم ملامحه في المنطقة يوما بعد آخر.

ويرى مراقبون سعوديون أنه، ومهما كثرت التأويلات، فإن للأردن مكانة أساسية في السياق الجيواستراتيجي الذي تسعى له الرياض.

وترى هذه الأوساط أن العلاقة مع المغرب والأردن لها دلالات إقليمية تتعلق بمجلس التعاون الخليجي ومستقبله من حيث تردد اسم البلدين كمرشحين للانضمام إلى عضويته. لكن للجوانب الإقليمية دلالات أخرى تتعلق أيضا بالتطوّر المفصلي في العلاقة مع مصر بعد الزيارة الأخيرة للعاهل السعودي إلى القاهرة.

وتعمل القيادة السعودية على بناء تحالف عربي إسلامي قوي يقوم على مواجهة تمدد إيران وداعش في المنطقة. ويقوم في نفس الوقت على مساهمة الدول العربية النفطية في دعم اقتصاد الدول غير النفطية مثل مصر والأردن والمغرب، حتى يكون تحالفا قائما على المصالح بالتوازي مع ضرورة التحالف لحماية الأمن القومي الإقليمي لمختلف الدول الأعضاء.

وتقف هذه الرؤية وراء الدعم الذي قدمته السعودية والإمارات والكويت لمصر حتى تستطيع تجاوز الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه، وهو الأمر ذاته الذي ينتظر أن تحصل عليه المملكة الأردنية الهاشمية لتدعيم عضويتها في التحالف.

ويحوز الأردن على دور محوري في التنسيق الإقليمي ضد المجموعات المتشددة، ودارت لقاءات خلال السنتين الماضيتين بين السعودية والأردن من أجل توحيد الصف ضد التطرف والتعاون لحماية حدود البلدين خاصة أنهما يواجهان نفس العدو.

وتذكّر أوساط أردنية بالموقع الاستراتيجي للأردن على المفترق بين العراق وسوريا وفلسطين، كما تذكّر بالبراغماتية الدبلوماسية التي تمتلكها عمّان من خلال نسج علاقات مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، وتمتين علاقات عربية، لا سيما مع مصر ودول الخليج.

وترى مصادر سعودية أن الأردن استدعى مؤخرا سفيره في طهران احتجاجا على تدخل إيران في الشؤون العربية، بما يتماشى مع الموقف السعودي، وأن الرياض حريصة على تدعيم علاقاتها مع الأردن ضمن خارطة التحالف العربي الإسلامي الذي تسعى إليه.

ويلاحظ موسى برهومة، أستاذ الإعلام في الجامعة الأميركية بدبي، أن “للحفاوة التي لقيتها زيارة الملك عبدالله الثاني معاني كثيفة الدلالات أرادت الرياض إيصالها إلى العالم بخصوص تحالفها الاستراتيجي مع الأردن”.

ويسعى البلدان إلى مأسسة العلاقات بينهما، وهو ما تحقق من خلال الإعلان عن التوقيع على “محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي الأردني”، بما يكفل تواصلا وتعاونا أكثر نجاعة، خصوصا أن زيارة الأمير محمد بن سلمان للأردن في 11 أبريل أكدت مدى الرابط الذي توليه الرياض لعمان كضلع أساسي في مثلث العلاقة مع مصر.

وفيما صدر بشكل رسمي من أن مباحثات الملكين تناولت “مجمل الأحداث والتطورات التي تشهدها المنطقة إضافة إلى الأحداث الإقليمية والدولية وآفاق التعاون بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها”، ما يعكس مضمونا يروم تأكيد الشراكة الكاملة في صياغة موقف واحد من كافة الملفات ذات الاهتمام المشترك.

ويعوّل برهومة في تصريح لـ”العرب” على الزيارة في أن تفتح “أبوابا لتعاون أكثر متانة، لا سيما ما خصّ شكوى عمّان المزمنة من أنّ (خدماتها) للسعودية لا تلقى التقدير المأمول من الناحية المالية”.

ويذكر برهومة بأن “الأردن يتحمّل أعباء أكبر من طاقة استيعابه، ويتابع، بدقة واحتراف، ملفات إقليمية شديدة الحساسية، وهو يدافع ويقاتل على أكثر من جبهة. ومن دون إسناد “حقيقي” ستظل المملكتان ترددان، بلا ثقة، “الكليشيه” نفسه عن العلاقات الطيبة والدافئة بين البلدين.

 

صحيفة العرب