لم تكن الاشتباكات بين ميليشيا الحشد الشعبي والبيشمركة الكردية في بلدة طوزخورماتو (شمال بغداد) وبعدها في السعدية بمحافظة ديالى مجرد حادثة عابرة، وهي تعبير عن حالة الشحن الطائفي والسياسي والعسكري بين الحكومة المركزية في بغداد وبين إقليم كردستان، فكلاهما يريد أن يركب موجة الحرب على الإرهاب ليحوز على الاعتراف الأميركي به وكيلا في الحرب على داعش.

وإذا كانت البيشمركة قد حازت على ثقة الأميركيين في معارك الصيف الماضي، فإن الحشد الشعبي لا يزال مثار شكوك لدى واشنطن التي تتحفظ على مشاركته في معركة تحرير الموصل، وذلك بسبب نزعته الطائفية المغالية التي تساوي بين داعش وبين العراقيين السنة الواقعين تحت سيطرته، وتتهمهم بالتحالف معه.

وعزا مراقبون عراقيون حدة الصراع بين البيشمركة والحشد الشعبي إلى رغبة كل منهما في تقديم نفسه بديلا عن القوات العراقية التي تعيش وضعا صعبا بسبب هيمنة الأحزاب الحكومية عليها، وإغراقها بعناصر غير مدربة، فضلا عن ولائها للمجموعات الطائفية.

وسعت الأحزاب الدينية الحاكمة في بغداد إلى وضع الحشد الشعبي في مقدمة الحرب على الإرهاب بزعم امتلاكه خبرات قتالية، لكنّ رفضا واسعا في الشارع العراقي حال دون ذلك خاصة بعد مجازر التطهير الطائفي التي ارتكبها في المدن التي سيطر عليها.

وأشار المراقبون إلى أن الحشد يريد أن يفسد على الأكراد صفة الشريك المستقبلي للأميركيين في الحرب على داعش، وخاصة منعهم من تحقيق التوسع الميداني الذي ينفذونه في أماكن مختلفة شمال العراق تحت ستار تحريرها من داعش.

ورغم ميل الأميركيين للبيشمركة كقوة منظمة وفاعلة على الأرض، فإنهم لم يرفضوا بصفة قطعية أي دور للحشد الشعبي في استعادة الموصل، خاصة أن هذه الميليشيا هي إحدى الأوراق المهمة لإيران في العراق.

وإلى الآن لم تفترق مصالح واشنطن وطهران حيث يدعمان خطة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لإحداث إصلاحات تنقذ العملية السياسية من أزمة عميقة قد تفضي إلى الإطاحة بها.

ويطالب العراقيون بتقليص أدوار الميليشيات العسكرية، والتركيز على تطوير أداء القوات العراقية والجيش، وتأهيلهما لمعركة طرد داعش في خطوة أولى، ثم الإمساك بالملف الأمني داخليا وخارجيا في مرحلة ثانية، وعدم رهن أمن البلاد لجهات مرتبطة بدوائر خارجية.

ويحذّر المراقبون من أن يكون وقود الحرب الأهلية القادمة في العراق السلاح الكثير والمتنوع الذي أصبح بين أيدي الميليشيات الشيعية، من جهة، وتزايد قوّة البيشمركة الكردية قياسا بالجيش العراقي الذي عرف مع هجوم داعش على المناطق العراقية صيف العام الماضي حالة أشبه بالانهيار.

وتم الثلاثاء تأجيل الاجتماع المشترك بين مسؤولي الحشد وقوات البيشمركة حول الأوضاع في قضاء طوزخورماتو.

وحث رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني الثلاثاء قادة البيشمركة إلى التحاور مع العقلاء في الحشد الشعبي.

وقال مراقب سياسي عراقي إن الأمر يتجاوز الاشتباكات الأخيرة، وأن خلافا يتنامى على قاعدة دور الحشد الشعبي في معركة الموصل الموعودة، مشيرا إلى أن رفض قطاعات سنية مشاركة الحشد في هذه المعركة بحجة مقاتلة داعش يدعمه تحفّظ كردي.

وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن اشتباكات طوزخورماتو تعبر عن مخاض بين شركاء العملية السياسية، وتعكس تنافسا ميدانيا على رسم توازنات المرحلة المقبلة مواكبة لعودة الحضور الأميركي في العراق.

واعتبر أن هدف الحشد من معركة قرية البشير هو فرض أمر واقع على كافة الأطراف على طريق المشاركة في معركة الموصل.

وطالب محافظ كركوك نجم الدين كريم، بخروج جميع القوات من قضاء طوزخورماتو، ومسك الملف الأمني من قبل الشرطة المحلية.

وبحسب معهد واشنطن للدراسات، فإن ميليشيات الحشد الشعبي زادت وجودها بنجاح على مشارف كركوك، بسبب الدعم الإيراني لها، وظهرت معسكرات تدريب كبيرة لتسليح التركمان الشيعة.

ويمثل الصراع بين الميليشيات في العراق صورة عن الفوضى القائمة في دول الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع ويليام هيغ وزير الخارجية البريطاني الأسبق إلى المطالبة بعدم إدارة الغرب ظهره لهذه الفوضى.

وطالب هيغ في مقال نشره في صحيفة الديلي تليغراف الثلاثاء بالتعلم من دروس الفوضى القائمة في العراق، مشيرا إلى أن الفوضى لا تزال في بدايتها وهناك عدة عوامل ستؤججها مثل تزايد الكراهية الدينية والانهيار الاقتصادي وزيادة نسبة الشباب في هذه المجتمعات علاوة على ضعف الحكومات.

 

 

صحيفة العرب