في وقت لم تفلح فيه الجهود السياسية في حل أزمة شرعية البرلمان العراقي في بغداد٬ اندلعت في قضاء طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين٬ اشتباكات بين حشد للتركمان الشيعة مدعوما من الحشد الشعبي وقوات للبيشمركة الكردية٬ مما يعيد إلى الأذهان الاشتباكات الدموية التي وقعت العام الماضي بين الطرفين٬ وأسفرت عن عشرات القتلى والجرحى.

و كشف مسؤول كردي٬ أمس٬ أن قوة من ميليشيات حزب الله اللبنانية الإرهابية وجنودا إيرانيين شاركوا في المعارك التي دارت ٬أمس٬ بين البيشمركة وميليشيات الحشد الشعبي في قضاء طوزخورماتو (جنوب محافظة كركوك)٬ مضيفا أن أكثر من 25 مسلحا من ميليشيات الحشد قتلوا خلال الساعات الأولى من المعارك التي بدأت الليلة قبل الماضية.

وقال نائب مسؤول تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني٬ في قضاء طوزخورماتو٬ حسن بهرام٬ لـ«الشرق الأوسط»: «ما زالت هناك اشتباكات في بعض المناطق من طوزخورماتو٬ لكن حدتها انخفضت مقارنة بما كانت عليها الليلة قبل الماضية وصباح أمس.الجانب الكردي وضع ميليشيات الحشد الشعبي أمام خيارين٬ إما الانسحاب من طوزخورماتو؛ لكيُتدار من قبل المؤسسات الحكومية٬ وتشرف قوات الشرطة وقوات الآسايش (الأمن الكردي) على الملف الأمني فيها٬ وإلا فإن الجانب الكردي لن يسكت عن تجاوزات الميليشيات الشيعية المستمرة ضد المدينة وأهلها».

ودفعت ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من طهران والحكومة العراقية بالكثير من مسلحيها وآليتها باتجاه قضاء طوزخورماتو لمواصلة المعارك فيها٬ لكن بهرام شدد بالقول: «التعزيزات القادمة للحشد الشعبي لن تستطيع دخول قضاء طوزخورماتو؛ لأن قوات البيشمركة تسيطر على مفرق كفري سليمان بيك الذي يعد البوابة الرئيسية لطوزخورماتو».

وقصفت الميليشيات خلال المعارك مقر اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود بارزاني٬ وأسفر القصف عن إصابة اثنين من أفراد قوات الآسايش بجروح٬ وأوضح مسؤول اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني في طوزخورماتو٬ أحمد عزيز٬ لـ«الشرق الأوسط»: «بعد طرد مسلحي تنظيم داعش من هذه المنطقة٬ بدأت ميليشيات الحشد الشعبي تقوي مركزها في طوزخورماتو٬ وبدأت بتنظيم التركمان الشيعة في صفوفها ودربتهم وجهزتهم٬ وبدأوا في تصفية التركمان السنة والعرب السنة في القضاء في بادئ الأمر٬ وقد حذرنا من ذلك كثيرا٬ ومن ثم بدأوا المرحلة الثانية من خطتهم التي تتمثل بتصفية الكرد».

وأضاف: «قصفت الميليشيات الشيعية بعد ظهر أمس مقر اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني في طوزخورماتو بصواريخ الكاتيوشا٬ وأسفر القصف عن إصابة اثنين من أفراد قوات الآسايش بجروح»٬ مبينا بالقول: «الآن أمام قوات البيشمركة وسكان طوزخورماتو خياران٬ إما ترك المدينة للميليشيات الحشد الشعبي ليديروها٬ وهذا مرفوض بكل شكل من الأشكال٬ أو أن تبدأ البيشمركة بالهجوم لطرد هذه الميليشيات من المدينة».

من جهته قال مدير الآسايش في قضاء طوزخورماتو٬ الرائد فاروق أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «هناك اشتباكات متقطعة٬ واستخدمت خلال المعارك قذائف الهاون والمدافع الرشاشة وبنادق القناصة وأنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة كافة. قوات البيشمركة لم تشن أي هجوم حتى الآن على هذه الميليشيات التي ما الحشد الشعبي بمساندة مقاتلين لبنانيين وإيرانيين يقود معركة ضد الأكراد في صلاح الدين  زالت تسيطر على بعض المناطق داخل المدينة٬ فيما تحيط قوات البيشمركة بطوزخورماتو من جميع الجهات».

وطبقا للمصادر الأمنية٬ فإن الاشتباكات بين الطرفين التي انطلقت شرارتها بسبب انفجار عبوة ناسفة في منزل أحد المسؤولين الأكراد٬ أدت إلى مقتل وجرح 13 شخصا من الطرفين٬ من بينهم ضابط برتبة عميد من البيشمركة الكردية. وفي وقت تم فيه غلق جميع المدارس والدوائر الحكومية في القضاء٬ أدت هذه الأحداث إلى غلق طريق بغداد ­ كركوك.

وفي محاولة منه لفرض الأمن والسيطرة على الموقف٬ وجه رئيس الوزراء٬ حيدر العبادي٬ بوصفه القائد العام للقوات المسلحة٬ قيادة العمليات المشتركة إلى اتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة للسيطرة على الأوضاع في قضاء الطوز. وقال بيان لمكتب العبادي إن «رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وجه قيادة العمليات المشتركة إلى اتخاذ جميع الإجراءات العسكرية اللازمة للسيطرة على الموقف في طوز خورماتو٬ وإيقاف تداعيات الأحداث المؤسفة التي أدت إلى وقوع عدد من الضحايا»٬ مضيفا أنه «تم الاتصال بجميع القيادات لنزع فتيل الأزمة٬ وتركيز الجهود ضد العدو الإرهابي المشترك المتمثل بعصابات (داعش) الإرهابية».

ومن جهتها٬ اتهمت الجبهة التركمانية جماعات مسلحة قادمة «من خارج الحدود» بإثارة المشكلات بين أهالي طوزخورماتو٬ ودعت في بيان لها٬ تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه٬ أهالي القضاء إلى «الاحتكام إلى صوت العقل٬ وتجنيب المدنيين آثار النزاع المسلح».

مضيفة أن «الجبهة حذرت سابًقا من وجود جماعات مسلحة قادمة من خارج الحدود تعمل على إثارة المشكلات بين أهالي طوزخورماتو بكافة مكوناتها»٬ وداعية الأطراف كافة من ذوي العلاقة إلى «الاحتكام لصوت العقل٬ وتجنيب المدنيين آثار النزاع المسلح».

وأشار البيان إلى أن «الجبهة ترى أن الأحداث المؤلمة بحق التركمان٬ في طوزخورماتو٬ أخذت منحى خطيًرا٬ ولا يمكن السكوت عنها»٬ معتبرا أن «الحوادث الأخيرة أكدت هشاشة الوضع الأمني٬ وضعف الحكومة في إيجاد حلول آمنة مستدامة٬ تحفظ حياة المدنيين العزل».

وفي هذا السياق٬ أكد عضو البرلمان العراقي السابق عن المكون التركماني٬ فوزي أكرم ترزي٬ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المطلوب الآن تدخل جميع الأطراف المؤثرة في مجريات الأحداث٬ وفي المقدمة منها المرجعية الدينية٬ وقيادات الحشد الشعبي٬ لحماية التركمان في قضاء طوز خورماتو مما يعانونه»٬ مشيرا إلى أن «ما يتعرض له التركمان بات يرقى إلى مستوى الإبادة٬ وهو أمر لم يعد ممكنا السكوت عليه».

وأضاف ترزي أن «ما يحصل يحتم على الجهات الرسمية في الدولة٬ بدءا من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وباقي القيادات الفاعلة٬ أن يكون لها موقف مما يحصل في هذا القضاء الذي كثيرا ما تعرض إلى صنوف من الإبادة طوال أكثر من نصف قرن».

من جهته٬ أكد رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي٬ حاكم الزاملي٬ أنه «ستتم محاسبة كل من عمل على تأزيم الوضع الأمني في القضاء٬ وتسبب بقتل أبرياء». داعيا كل الأطراف في طوزخورماتو إلى «التحلي بالحكمة وتهدئة الوضع».

وكانت عدة قيادات شيعية٬ مثل منظمة بدر وحزب الفضيلة والمجلس الأعلى الإسلامي٬ قد نددوا بما حصل في قضاء طوزخورماتو٬ محملين الجهات الرسمية حماية أرواح الناس في هذا القضاء الخاضع للمادة 140 من الدستور٬ الذي تقطنه أغلبية تركمانية٬ فيما يتقاسم الأكراد والعرب النسبة الباقية من سكانه. وكانت قد أبرمت في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015 هدنة تمثلت بتشكيل قوات مشتركة من الحشد الشعبي التركماني وقوات البيشمركة لتجنب الأحداث التي يشهدها القضاء.

مقاتل من قوات البشمركة في أحد خطوط القتال قرب منطقة الخازر (أ. ف. ب)