كان لافتاً للبعض "الحجم الضئيل" للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي كشفته زيارته إلى لبنان، فالرجل باعتقاد هؤلاء أقلّ من حجم البلد الذي يُمثّله، ووقع زيارته بيروت لم يكن على مستوى الحضور الفرنسي التاريخي في لبنان.

لا أوافق على هذا التشخيص وإن كنتُ شعرتُ أيضًا أنّ وقع زيارة هولاند لم يكن بحجم البلد الذي يُمثّله الرجل، لكنني أميل إلى الاعتقاد بأن هولاند زار بلداً فاقداً الحياة. جثة بلدٍ كان صاحبها قد لفظ أنفاسه. وبهذا المعنى لا يُمكن لهولاند أن يكشف حجم بلده في زيارة لبلد بلا حجم وبلا موقع وبلا حياة.

لنُدقق قليلاً، ولنحاول أن نُحدد ما هو لبنان الذي زاره الرئيس الفرنسي؟ لا شيء على الإطلاق!

القيمة الوحيدة التي يُمكن أن تُعطى للبنان اليوم هي أنه يُقاتل في سوريا. القوة الوحيدة القادرة والمؤثّرة هي حزب الله. المهمة الوحيدة المُكلّفة بها المؤسسات من مطار ومرفأ وجيش ودرك وإعلامٍ ومعابر وحدود، هي تسهيل المهمة على الحزب. وهذا هو لبنان الذي زاره فرنسوا هولاند، والسؤال الفعلي هو ما الذي جاء يفعله الرجل؟

لبنان فعلاً بلد لا يُزار في هذه الأيام. من يُقدِم على هذه الفعلة بقصد مشاركتنا مصائبنا سيعيش لحظات موحشة. الزيارة ستكون أقرب إلى الإقامة في فندق مهجور. فندق فلسطين في بغداد، حين أقمنا فيه غداة سقوط النظام العراقي وبعد عشر سنوات من الحصار. هذا هو لبنان الآن.

الضاحية الجنوبية هي المكان الحي الوحيد، اذا ما اعتبرنا أن الحياة هي تطلّعٌ لبلوغ الأهداف، وهولاند لن يزور الضاحية طبعاً، هنا يكمن الخلل، أي في أن يزور رئيس دولة كبرى بلداً صغيراً وأن يحجم عن زيارة موضع القوة فيه! هل يكفي أن يجتمع مع رئيسي المجلس والحكومة نبيه بري وتمام سلام؟ وبماذا يمكن أن يفيداه؟

حزب الله هو الحقيقة الوحيدة في لبنان اليوم، وهذه الحقيقة لم تتشكّل من تلقائها. جرى عمل حثيث لبلورتها، وكانت الوقائع كلها تشير إلى سيرنا باتجاهها. ثمّة قوى انكفأت وأخرى تقاضت أثماناً من وهم. الطائفة الشيعية تمّت مصادرتها والطائفة السنّية هُزِمت والمسيحيون أُطعِموا "جوزاً فارغاً" وها هم يسقطون في فخ انعدام القدرة على تمثيلهم برئيس للجمهورية. وهذا كله جرى تحت أنظارنا وأنظار العالم، إلى أن وصل هولاند إلى بيروت ليجد صحراء سياسية بانتظاره.

ربما شكلت زيارة هولاند مخيمات اللاجئين السوريين في البقاع مؤشراً آخر على أن لبنان جثة سياسية، فبينما تريد طهران له أن يؤدي مهمة واحدة تتمثل في أن يكون قاعدة خلفية للقتال في سوريا، يريده الغرب أن يكون خط دفاع عنه في موضوع تدفق اللاجئين.

أن يكون لبنان دولة حزب الله، فهذا يعني أنه وظيفة لا بلد، فالحزب لا يمكن أن يكون وطناً حتى لمجتمعه. هو جهاز وليس حزباً، وهو جهاز يثير في العالم وفي الدول محاذير ومخاوف. وبما أن لبنان هو فعلاً دولة حزب الله، فإن أي زيارة له لا تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة ستكون زيارة للأجزاء غير الحية في هذا الجسم المحتضر.

كان على هولاند أن يزور حارة حريك.