لطالما اتسم الفن الكوميدي برسالته الهادفة والمضحكة في آن، التي تُستنبط من صلب المعاناة ومن قضايا الشعوب، لتُقدَم إلى الجمهور بقالب يمزج بين الرقي، البساطة وخفة الظل. ولطالما نجح أصحاب المدرسة الكوميدية الهادفة في إضحاك الناس ملء قلوبهم، من دون أن يلجأوا الى النصوص المبتذلة، والنكات الرخيصة، والإيحاءات الجنسية اللفظية والجسدية، الملازمة اليوم لمعظم "الأعمال الكوميدية" التي تحتلّ خشبات المسارح، وشاشات التلفزة بالطول والعرض، لتعكس مشاهد سطحية تخدش الحياء.  

والشواهد على ذلك كثيرة في الماضي البعيد كما القريب ، من "أبو سليم الطبل"، إلى مسرح شوشو، ونبيه أبو الحسن "أخوت شاناي"، وفريال كريم وابراهيم مرعشلي، واسماعيل ياسين وعادل إمام ودريد لحام والكوميدي الأول في تاريخ السينما شارلي شابلن، وغيرهم الكثير من الأسماء الكبيرة في عالم الفن الكوميدي، الذين نجحوا في زرع الضحكات العابرة لأزمانهم والمخلدة لأعمالهم.  

هذه السطور لا تعبّر عن رأي كاتب أو مشاهد أو ناقد، بقدر ما تعكس حالة طاغية في مجتمعاتنا، تشوه الصورة في أكثر من ميدان. وهي خلاصة آراء كبارالنقاد الذين اتصلنا بهم، "فضفضوا" مفضلين عدم ذكر أسمائهم. ولعل ما يجعل من طرح هذا الموضوع مهماً هو رحيل أحد عمالقة الكوميديا المصرية "سيد زيان"، الذي يمثل ذاك الزمن الجميل تاركاً "سيدتي الجميلة " و"بمبه كشر" و"البيه البواب" وعشرات الأعمال الفنية الكوميدية.

  ليليان نمري: يا هبل يا تزفير!  

هذه الظاهرة التي يسمونها "كوميديا" في عصرنا هذا، تصيب فنانين كثر بمقتل، منهم من تنحّى طوعاً وهو في عزّ عطائه، ومنهم من قرّر الصمود المكلف عكس التيار .

ومن بينهم الفنانة ليليان نمري التي لم تشأ في حديث لـ "لبنان 24" أن تعلق على صورة اليوم "لأنّ البعض يتخطى خبرة عشرات الأعوام وينزعج من إبداء الرأي. ولكن بما يخصّني أسعى في أعمالي للحفاظ على شعور المرأة وكل أفراد العائلة، أستطيع أن أضحك الناس دون إسفاف أو تجريح، "يا بدنا نتهبلن بالكوميديا أو بدنا نزفر لنضحك العالم "، طبعا لا، وفي حال اختفت النصوص الكوميدية، أكمل مسيرتي في الدراما ولكن لن أكون على المسرح في أدوار هبل وصراخ. في مسرحيتي "نحيفة " تلميحات ورسائل تُمرر دون إسفاف أو وعظ، وعندما يستوقفني شخص ما على الطريق ليقول لي: أنت ما بقيّ من الكوميديا النظيفة، بيكبر قلبي.

وهذا الأطار يجعلني أرفض الكثير من الأعمال التي هي دون المستوى المطلوب، كان بإمكاني ان أقدم مسرحية مع بنت شقراء وشاب وأعمل ستاند آب كوميدي ومشاهد كالسانشونيه، يمكن كنت قبرت الفقر ولكن ليس هذا ما أريده".

  نمري تضيف أنا لست ضد التنوع في المسرح ولكن على قاعدة تصنيف المسارح كما في الخارج بين ثقافي او استعراضي وغيره.

وتعليقاً على رحيل سيد زيان تترحّم نمري على كل فنان كوميدي شق طريق لغيره ليتعلم،" ولو ان البعض تعلم بالمقلوب، رحم الله أبي وأبو الحسن والعشرات، بغيابهم تخف الضحكة وتتغلب المآسي على عالمنا العربي".  

الإعلامية ندى صليبا لا تشاهد البرامج الكوميدية "لأنها مقززة بدل أن تكون مضحكة" وفي حديث لـ "لبنان 24" علّقت " الكوميديا تعكس المجتمع، الإنحدار الحاصل ينسحب على كافة المستويات الإعلامية والفنية والسياسية، ويظهر في البرامج التلفزيونية القائمة على السخافة ونكات الإيحاءات الجنسية ، بما يفرغ البرامج الكوميدية من رسالتها، وعندما كنا نشاهد أبو سليم كنا نضحك ونتلقى الرسائل في الوقت نفسه ".  

"منحطة هي البرامج الكوميدية اليوم، يعتبرون أن الإعتماد على الجنس يضحك الناس وهذا خطأ، لا يضحكني أحد من زمننا هذا " هكذا علقت مواطنة على سؤالنا، فينا اعتبر طوني منصور الإعلامي العشريني أنّ الفساد في المجتمع انعكس على الصورة الكوميدية وأنهم يستسهلون الإيحاءات المنفرة، وهناك أشخاص محببين كليليان نمري، فيما تغيب الأسماء الكوميدية الكبيرة في لبنان.

مواطن آخر طالب في كلية الإعلام – الجامعة اللبنانية رأى أنّ الفن الكوميدي انتهى "ولنتذكر شارلي شابلن الذي كان مدرسة في الكوميديا دون ان ينطق بكلمة، ودون أن يلبس زي امرأة أو يقوم بايحاءات جنسية كذلك عادل إمام وسهير البلبلي وغيرهم، وما يحصل اليوم افلاس كبير".  

الحديث في الإفلاس الكوميدي يحتاج إلى صفحات، ولعل لجوء عدد كبير من الناس إلى إعادة مشاهدة مسرحية "مدرسة المشاغبين" أو "شاهد ما شافش حاجة " للمرة العاشرة على سبيل، أكبر دليل على دحض من يبرر الإسفاف الحاصل بمقولة "الجمهور عايز كده".

(لبنان 24)