نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن سعي جبهة النصرة لإنشاء إمارة في محافظة إدلب، على غرار محافظة الرقة التي اتخذها تنظيم الدولة عاصمة له في سوريا.

 

وقالت الصحيفة إن طموحات جبهة النصرة في سوريا أصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للخيارات السلمية للثورة السورية، حيث تسعى الجبهة إلى تكريس مؤسسات الحكم الذاتي في محافظة إدلب، التي تسيطر عليها منذ أكثر من سنة تقريبا، تمهيدا لإعلان "إمارة إسلامية".

ونقلت الصحيفة عن أحد الناشطين السوريين في مدينة "معرة النعمان" التابعة لمحافظة إدلب، رافضا الكشف عن اسمه، أن "جبهة النصرة انتقلت من مرحلة القوة العسكرية إلى مرحلة التأثير على السكان، ما سيسمح لها ببناء مؤسساتها الذاتية والتحكم في الخدمات الموجهة للأهالي، وهو ما يعكس تعطّش قادتها للسلطة".

وذكرت الصحيفة أن أول ظهور لجبهة النصرة في محافظة إدلب كان في بداية شهر آذار 2015، عندما لاقت سيطرة جيش الفتح الذي يضم عديد الألوية العسكرية المعارضة للأسد، بما في ذلك جبهة النصرة، ترحيبا من غالبية الأهالي في المحافظة السورية، حيث كانوا يعتقدون أن دور هذه القوات سيقتصر على الجانب العسكري، بينما تُترك عملية تسيير الشؤون المدنية في المحافظة للأهالي.

وأضافت الصحيفة أن جبهة النصرة كشفت تدريجيا عن وجهها الحقيقي، بعدما انسحبت من ائتلاف جيش الفتح، وعملت على فرض خياراتها المتطرفة بطريقة فردية، وهو ما تجسد من خلال إنشاء عدد من المؤسسات التابعة لها في المحافظة، ومن بينها "إدارة المناطق المحررة" التي تُعهد إليها مهمة تسيير الشؤون الإدارية، كجمع الضرائب وتحصيل فواتير الماء والكهرباء، في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجبهة في محافظة إدلب، مثل أريحا وجسر الشغور.

وذكرت الصحيفة أن هذا النظام -الذي تسعى جبهة النصرة لتكريسه في محافظة إدلب- يحاكي النظام الذي وضعه تنظيم الدولة الإسلامية منذ تأسيسه في سنة 2014، والذي يقوم على الترويج لفكرة الدولة، من خلال تكريس نظامه الجبائي الخاص، إلى جانب مؤسساته الذاتية.

ونقلت الصحيفة عن المختصة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة الدراسات الإفريقية والشرقية في لندن، لينا الخطيب، أن "جبهة النصرة تسعى من خلال الدخول في منافسة مباشرة مع تنظيم الدولة إلى إثبات تفوقها في المجال السياسي، فضلا عن العسكري".

أما الاختلاف الرئيسي بين كلّ من جبهة النصرة وتنظيم الدولة، فيتمثل في قدرة هذا الأخير على التحكم في وسائل التواصل مع العالم الخارجي، بينما تكتفي جبهة النصرة بالعمل في الظل، من خلال توظيف أساليب مختلفة للضغط على الأهالي في محافظة إدلب.

ونقلت الصحيفة شهادة الناشط في مدينة معرة النعمان، الذي ذكر أن مجموعة تنتمي لجبهة النصرة قامت قبل ثلاثة أشهر باقتحام مسكنه، حيث تم استجوابه لمدة ساعتين؛ بسبب انتقاده لممارسات عناصر الجبهة على إحدى صفحات فيسبوك، وهو ما يثبت أن جبهة النصرة تحلم بتكريس دولة تتحكم في كل مجالات الحياة في إدلب، وتعمل على قمع كل أشكال الرفض والاحتجاج ضد ممارساتها، كما يقول.

وفي بداية شهر كانون الثاني الماضي، اقتحمت عناصر تنتمي لجبهة النصرة مقر إذاعة محلية تدعى "فريش إف إم"، في مدينة كفرنبل، وحجزت المعدات، بحجة أن الإذاعة "الترويج لأفكار علمانية تخدم مصلحة المرتدين". وهو مؤشر آخر على أن "جبهة النصرة أخطر من تنظيم الدولة؛ لأنها تخفي نواياها ودوافعها، على عكس تنظيم الدولة"، على حد تعبير هادي العبد الله، أحد الناشطين المؤسسين للإذاعة، الذي تعرض للاحتجاز من طرف جبهة النصرة.

وأضافت الصحيفة أن الضربات الموجعة التي تلقتها جبهة النصرة لم تمنعها من تحقيق انتصارات ميدانية، آخرها نجاح حركة أحرار الشام المتحالفة معها في إسقاط طائرة تابعة للنظام السوري في بلدة العيس.

(عربي 21)