في الطريقة التي اعتمدها حلفاء سياسيّون لميشال سماحة في التضامن معه، بعد صدور الحكم الثاني عليه الذي صوّب الحكم الأوّل، يبدأ كلّ تضامن بالاعتذار.


فاللواء جميل السيّد، وفي تغريدة على "تويتر"، قال: "موقفي من سماحة هو نفسه ولكنْ أن يُحكم عليه 13 سنة، وأن يفرج عن جومانا حميد وهي تقود سيارة مفخخة من عرسال إلى بيروت، فتلك سياسة وليست عدالة".


أمّا الوزير السابق وئام وهّاب فرأى "أنّ عمل سماحة دنيء ومرفوض ولكن الحكم عليه سياسي وصدر تحت الضغط ولو أكمل القضاء باتجاه ملفات الفساد لا يبقى أحد خارج السجن".


حتّى التعبير الذي أشاعه بعض الممانعين من أنّ "القرار معلّب"، وكذلك قول القائلين بأنّ في الأمر "صفقة سياسيّة"، ينمّان عن هشاشة وضع سماحة الذي يمكن التوصّل إلى "صفقة" تضحّي به، كما يمكن "تعليب" القرار الصادر بحقّه. وإذا دفعنا الأمر أبعد من ذلك، ظلّ يفاجئنا استعداد سماحة، وهو قطب سياسيّ – إعلاميّ ووزير سابق وصاحب علاقات دوليّة واسعة، أن يقوم بما قام به.


مما لا شكّ فيه أنّ هذا العمل الذي أقدم عليه، والذي يجتمع فيه الاستعداد الجريميّ والبلَه العاديّ، إنّما يعقّد التضامن معه ويسهّل عقد "الصفقات" على حسابه، خصوصاً وقد اعترف هو نفسه بفعلته.


لكنّ هذه السيرة في عمومها تقودنا إلى حالة لبنانيّة تتجاوز سماحة نفسه. فأغلب الظنّ أنّ الحافز الأهمّ بين الحوافز التي دفعت الأخير إلى ارتكابه حسٌّ أقليّ عميق ومتطرّف يحمله على الذوبان في قوّة مُتخيَّلة ما. أمّا جواز السفر إلى هذا الامّحاء فهو المزايدة عبر الإقدام على ما لا يقدم عليه سواه.


ولئن أمكن التدليل على هذه الأقلويّة المتطرّفة في محطّات سابقة من حياة سماحة، بقي أنّ الأقلّيّ المتطرّف إنّما يميل، تبعاً لرؤيته إلى العالم، إلى إسباغ قدرات خرافيّة على القوّة التي يسعى إلى الذوبان فيها. هكذا يُرجّح أن يكون سماحة قد افترض أنّه كائناً ما كان الفعل الذي ينفّذه، وقد يُضبط متلبّساً به، فإنّ في وسع بشّار الأسد وحلفائه اللبنانيّين تجنيبه الورطة والمحاسبة.


وربّما جاز التذكير، إضاءةً على هذه العلاقة، بحدث سبق أن عرفه لبنان في الليلة الأخيرة من عام 1961. فحينذاك نفّذ السوريّون القوميّون محاولة انقلاب ضدّ الشهابيّة بالنيابة عن "المارونيّة السياسيّة" والتحالف العربيّ المناهض للناصريّة التي كان قد أضعفها، قبل أشهر قليلة، الانفصال السوريّ عن دولتها. وغنيّ عن القول إنّ "الانقلاب" كان (ولا يزال) من محرّمات الحياة السياسيّة والطائفيّة في لبنان، بحيث أنّ الطرف الوحيد الذي أقدم على كسر هذا المحرّم هو ذاك الحزب "العلمانيّ" إيّاه، مرّة في 1949 حين أُعدم زعيمه، ومرّة أخرى في 1961-1962.


لكنّ هذا التفاني في خدمة قوى فعليّة، لا ينتمي الحزب المذكور إلى صلبها العميق، انتهى بأصحابه إلى السجون من دون أن يحرّك مخدوموهم اللبنانيّون والعرب ساكناً.


حتّى الذين كانوا يدافعون عنهم كانوا يمهّدون لدفاعهم الخجول بإدانة الانقلاب العسكريّ، تماماً كما مهّد السيّد ووهّاب لدفاعهم عن سماحة بإدانة سماحة الذي يسهل تحويله موضوعاً لـ"الصفقات".


وهذا من التبعات البشعة للاجتماع اللبنانيّ.

 

المصدر: ناو