سيترك سجن ميشال سماحة لمدة ثلاثة عشر عاما بعد إدانته بنقل متفجرات من سوريا إلى لبنان، تمهيدا لتفجيرها ،وإحداث فتن طائفية ومذهبية، نقاشاً داخلياً حامياً، لن يهدأ أُوارهُ خلال الأشهر القادمة، فقد ترك حكم المحكمة العسكرية ارتياحا واسعاً لدى فئات سياسية وشعبية، اعترضت بشدة على قرار المحكمة البدائي الذي أدى إلى إطلاق سراحه، أمّا المتعاطفون فقد عادوا إلى الدفاع عن سماحة بحجة أنّ القرار القضائي مُسيّس أو مُعلّب، حتى اللواء جميل السيد، الذي كان قد غسل يديه من صداقة سماحة، عاد ليدافع عنه باعتبار الحكم سياسي أكثر منه قضائي. أمّا وئام وهاب ، فقد توصّل بموهبته المعهودة، إلى أنّ فعل سماحة دنيئ ومرفوض، إلاّ أنّه سياسي، هكذا، التخطيط لتفجيرات إرهابية في البلد ، هي من قبيل الدناءة أو الرذالة، مثلها مثل التّحرش الجنسي ، وكان يمكن أن يُكتفى بالزّجر والتانيب.

إلاّ أنّ المسألة التي سيثيرها اعتقال سماحة هي ما إذا كانت قوى الثامن من آذار ، وتحديدا التيار العوني وحزب الله، ستستمر في صمتها المريب حيال هذه القضية، فهي حتى الآن لم تشجب ولم تؤيد، لم تنصر سماحة ولم تخذله، فالرجل متورط بالصوت والصورة والجرم المشهود، ومع مراجع عسكرية ومدنية تصل إلى رأس السلطة في سوريا، بشار الأسد. لذا فإنّ حزب الله، الذي يمتلك جوقة إعلامية، تستطيع أن تقلب الحقائق والوقائع رأساً على عقب، امتنعت عن التعليقات، وبلعت ألسنها، من سالم زهران، إلى رفيق نصرالله، وحتى فيصل عبد الساتر وغسان جواد. كذلك فعل نواب ووزراء التيار العوني، حتى جبران باسيل ،رئيس التيار، وحامي حمى المسيحيين، والخائف على البلد من مخاطر التوطين السوري لم ينبس ببنت شفة، أمّا الرئيس بري وحاشيته، فآخر همّهم سماحة وجماعته. فهل سيستمر هذا التجاهل؟ وإلى متى؟ ومن يضمن أنّهم لن يفتحوا النقاش حول هذا الموضوع عندما تتحسّن الضروف أو تسنح الفرص.

وعلينا منذ اليوم أن ننتظر من سيرفع الصوت عالياً للمطالبة بالإفراج عن المناضل القومي العربي، كما وصف نفسه في قاعة المحكمة، ولعلّه علينا أن لا ننسى أنّ النظام السوري، إذا ما كُتبت له حياة، لا سمح الله، هو أبرع من يتقن إطلاق فُقاعات المقاومة والممانعة ضد إسرائيل أولا، والامبريالية الأميركية تاليا، وأنّ سماحة إنما كان ينقل ما ينقله من متفجرات، لصالح المقاومة والممانعة، ومقارعة الإمبريالية، ونصرة القضايا القومية العربية، فضلا عن الدفاع عن الأمة العربية الواحدة،ذات الرسالة الخالدة.

يبقى أخيراً أن دروس تجربة سماحة المأساوية، ستبقى حيّة وماثلة أمام كل من تُسوّل له نفسه أن يبيع روحه وعقله وضميره لحُثالة الديكتاتوريات، وزيراً كان أو واحدا من عرض الناس.