لأن بعض السياسيين أصبحوا يشبهون ليلى عبد اللطيف، إلى حدّ كبير، ولأن السياسة في لبنان عموماً اصبحت، نوعاً ما، تعتمد على التنجيم، في التحليل والتنظير، ولأن مواعيد الإستحقاقات الدستورية باتت مرتبطة بما تنبىء به الأفلاك، ولأن الجلسات الإفتراضية لإنتخاب رئيس للجمهورية أمست ضرباً من ضروب إلهاء الشعب اللبناني، الذي أُطلق عليه في يوم من الأيام لقبٌ يقرّبه كثيراً إلى ألقاب تشابهية لحالة الإنصياع والتخاذل، تضاف إلى ألقاب أخرى لم يثبت أنه يستأهلها، كـ"العظيم" و"الأشرف"، وهي ألقاب تبيّن أنها للإستهلاك السياسي المحلي والظرفي ليس إلّا، ولأن القطعان في وادٍ والرعيان في وادٍ، ولأن الوسيلة باتت عند كثيرين من أهل السياسة تبرر الغاية، ولأننا نعيش في زمن رديء، كما وصفه الكاردينال نصرالله صفير، ولأن الوطن أُفرغ من مضامينه ولم يبقَ فيه سوى شعارات، ولأن وطن الأرز نخره سوس الفساد، ولأن كرامة الإنسان فيه تحولّت عن غير معانيها.

    لكل هذه الـ "لأنات" قررت أن أتوجه إلى ليلى عبد اللطيف بكلام قد يبدو في ظاهره قاسياً، ولكنه في الجوهر يعبّر عن واقع مأزوم نعيشه جميعاً، لأتوسلها بإيقاف مسلسل توقعاتها، لأنها أفسدت بها جزءا من الطبقة السياسية، التي هي في الأساس فاسدة، بعدما انحرفت عن دورها الأساسي وأدخلت إلى قاموس الحياة السياسية مصطلحات جديدة لم نكن نعهدها من قبل، وإن كانت السياسة هي فن الممكن، الذي أضحى بفضل بعض الذين يشتغلون في السياسة فن المستحيل.   وكما تطّل علينا ليلى عبد اللطيف في موعدها الشهري لتشهد على تاريخ غير تاريخنا، كذلك يطّل علينا بعض الساسة على الشاشات وعبر "التويتر" و"الفايسبوك" ليشهدوا على تاريخ لم يقرأوه، وليتحدثوا عن المستقبل بلغة الماضي، فيختلط الغائب بالحاضر، ويبقى الإنتظار سيد المواقف، فتتوالد الأزمات في مسلسل لا ينتهي من الفضائح والصفقات والسمسرات والمهاترات والإصطفافات، المذهبي منها وغير المذهبي، ويُترك الوطن لإقداره، وتُطوى الإستحقاقات الواحدة تلو الأخرى في غياهب التعطيل والعرقلة والتسويف والتنجيم والتبصير والضرب بالرمل.  

ومن دون التشكيك في صحة توقعاتِك، لأن ما يسبقها في كل إطلالة لك، من ريبورتاجات لإثبات هذه التوقعات، تجعلنا في حيرة من أمرنا لجهة التشكيك أو التصديق، نقول لك، وبكل إحترام، احترمي عقولنا وأوقفي هذه العدوى المنتقلة إلى بعض أهل السياسة، وهم باتوا يزاحمونك وينافسونك في توقعاتهم.   فرئيس الجمهورية مغيبٌ منذ ما يناهز 22 شهراً، ولا من يسأل ولا من يهتمّ، ومجلس النواب لا يجتمع ولا يشّرع إلّا بشقّ النفس وإنقطاع الأنفاس، وحكومة وإن اجتمعت على العناوين تختلف على التفاصيل، ومؤسسات يسير العمل فيها على ما قدّر الله، وفضائح على "مدّ عينك والنظر"، ومستقبل غامض وغير مضون، وشباب يفتش عن فرصة عمل ولا يجدها في وطن الفرص الضائعة.

لبنان 24