شهد ملف إلقاء القبض على شبكة الإتجار بالأشخاص في منطقة المعاملتين ـ جونيه تطوّرين مهمّين أمس. تمثل الأول بتكليف وزير الداخلية نهاد المشنوق المفتش العام في قوى الأمن الداخلي العميد جوزف كلاس، التحقيق في ما ورد على لسان النائب وليد جنبلاط من اتهامات بحق مسؤولين في "مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب"، بتهمة "التواطؤ مع الشبكة التي اكتشفت".  

  وكان جنبلاط قد اتهم في تغريدة على "تويتر" مسؤولين كباراً في سرية الآداب بالتورط في القضية، معتبراً "أن هذه الشبكة تعمل منذ سنوات بالتواطؤ مع المسؤولين الكبار في سرية الآداب".   وبالتزامن مع تغريدة جنبلاط ومسارعة المشنوق إلى الطلب بفتح تحقيق في اتهاماته، قرر وزير الصحة وائل أبو فاعور إقفال عيادة الطبيب النسائي "ر.ع" الذي اعترف بإجراء 200 عملية إجهاض للسيدات الضحايا.

وأعلن المكتب الإعلامي لوزارة الصحة أن أبو فاعور "استند في قراره الى اعترافاته بالتحقيق الذي حصلت وزارة الصحة على نسخة عنه، بقيامه بعمليات إجهاض لفتيات شبكة الإتجار بالبشر وسحب إجازة مزاولة مهنة الطب منه، كما قرر سحب إجازة مزاولة مهنة التمريض من الممرضة "ج. أ" التي قامت بمعاونته".   وعلى الاثر داهم فريق من الوزارة العيادة بمؤازرة القوى الأمنية، وقام بتنفيذ القرار وختم العيادة بالشمع الاحمر.

  وإثر تنفيذ قرار أبو فاعور، حدثت بلبلة إعلامية حول موقف نقابة الأطباء في بيروت واحتجاجها على تجاوزها في قرار إقفال عيادة طبيب منتسب إليها ويخضع لنظامها الداخلي. لكن نقيب الأطباء أنطوان بستاني نفى في اتصال مع "السفير" أن تكون النقابة قد احتجت على قرار وزير الصحة "لم نعلق على القرار وقلنا إنه لم يسألنا رداً على سؤال إن كان قد تشاور معنا".  

وعاد بستاني إلى المادة 12 من قانون ممارسة الطب في لبنان التي تنص على أنه يمنع "اتخاذ أي إجراء تأديبي بحق أي طبيب قبل صدور حكم قضائي أو نقابي بحقه". وحول قرار النقابة بشأن اعتراف الطبيب "ر.ع" بإجراء مئتي عملية إجهاض للنساء ضحايا الشبكة، أشار بستاني إلى أن "لجنة التحقيق في النقابة ستحقق غداً الخميس مع الطبيب المتهم وسوف نتخذ أقسى إجراء تأديبي بحقه بناءً على نتيجة التحقيق".

واعتبر نقيب الأطباء أن المسألة لا تقتصر على مخالفة القانون اللبناني الذي يمنع الإجهاض إلا في حالات محددة، "بل هناك بعد أخلاقي وسلوكي، ونحن سنتعامل بما يتناسب مع القضية سواء كانت هناك عملية إجهاض واحدة أو مئتين، وسوف نعلن في الإعلام قرارنا الذي توصلنا إليه".

وعلمت "السفير" أن طبيب البنج ما زال متوارياً عن الأنظار وهو في فرنسا.   البعد القانوني لشبكة الإتجار بالأشخاص   ينص القانون 164/2011، قانون معاقبة الإتجار بالبشر، الذي أقره مجلس النواب في أيلول 2011، على وجوب "التمييز بين مرتكب الجريمة، أي الفاعل، والشركاء والمتدخلين فيها من جهة، وبين ضحايا هذه الجريمة من جهة أخرى.

ويسجل للقانون هنا نقلة نوعية حيث كانت، قبل إقراره، تتم معاقبة السيدات اللواتي يتم استغلالهن في البغاء كشريكات في الجرم لا ضحايا.   والتفريق بين مرتكبي جرم الإتجار بالبشر والضحايا ضروري لأن قانون معاقبة جريمة الإتجار بالأشخاص ينص في الوقت عينه على إجراءات وضعت خصيصا لحماية ضحايا هذه الجريمة والشهود عليها. ويكون بذلك التشريع الجزائي الأول في لبنان الذي ينص على نظام حمائي لكل من الضحية والشاهد. وتأتي هذه الجريمة التي تم اكتشافها أخيرا لتبين مدى قدرة هذا القانون على تغطية الشق العقابي منه، وعلى توفير الحماية الملائمة ليس فقط للضحايا بل ايضاً لكل شاهد على هذه الجريمة.

  وبالنسبة للوصف القانوني المنطبق على فعل من أقدم على الإتجار بإنسان، لبنانياً كان أم أجنبياً، واستغلاله في "الدعارة" وهي، أي "الدعارة أو استغلال دعارة الغير أو الاستغلال الجنسي هي أحد أوجه أو مظاهر الاستغلال التي تعددها المادة 586 (البند 1) من القانون 164".   وتنص المادة 586 (البند 4) على أنه "يعاقب بالاعتقال لمدة 15 سنة وبالغرامة من 300 ضعف إلى 600 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 586 (البند 1). وتنص هذه المادة على معاقبة أي جرم تم:  

1 ـ بفعل جماعة من شخصين أو أكثر ترتكب أفعالاً جرمية سواء في لبنان أو في أكثر من دولة.  

2 ـ إذا تناولت الجريمة أكثر من مجنيّ عليه.   وفي القضية الراهنة يتعدد المشتركون في هذه الجريمة بين فاعل وشريك ومتدخل ومخبئ كما تتعدد ضحايا هذه الجريمة (75 سيدة ضحية)، ما يجعل المادة 586 (4) منطبقة إن لجهة نوع الجريمة وتعدد الفاعلين وتعدد الضحايا ايضاً.

  أيضاً يجب الانتباه الى أن بعض هؤلاء الضحايا هربن وأخبرن بما حصل معهن ومع أخريات، ما أدى إلى انكشاف الشبكة. وهناك مادة في القانون للتعامل مع من يبادر إلى إعلام السلطات المختصة بوجود حالة تنطوي على إتجار بالأشخاص. وتعالج المادة 586 (البند 6) هذه الحالة بنصها على أنه: "يعفى من العقوبات كل من بادر إلى إبلاغ السلطة الإدارية أو القضائية عن الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل، وزوّدها بمعلومات أتاحت كشف الجريمة قبل وقوعها، وإما القبض على مرتكبيها أو على شركاء أو متدخلين فيها أو محرضين عليها إذا لم يكن الشخص الذي يقوم بالتبليغ مسؤولاً بصفته مرتكب الجريمة أي جريمة الإتجار بالأشخاص نفسه".  

وفي سياق متصل تنص المادة 586 (البند 7) على أنه: يستفيد من العذر المخفف من زوّد السلطات المختصة، بعد اقتراف الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل، بمعلومات أتاحت منع تماديها.   وتتعامل المادة 586 (المادة 8) مع حالة السيدات ضحايا الشبكة بصفتهن كنّ يقمن بعمل يعاقب عليه القانون، أي البغاء.

وتنص هذه المادة على أنه: يعفى من العقاب المجني عليه الذي يثبت أنه أرغم على ارتكاب أفعال معاقب عليها في القانون أو خالف شروط الإقامة أو العمل. ويجوز لقاضي التحقيق أو للقاضي الناظر في ملف الدعوى، بموجب قرار يصدره، أن يجيز للمجني عليه الإقامة في لبنان خلال المدة التي تقتضيها إجراءات التحقيق. وهذا يعني أنه على السلطات اللبنانية منح إقامات للنساء الضحايا إلى حين محاكمة المجرمين المتاجرين بهن.  

وبالنسبة للطبيب "ر.ع" الذي أجرى 200 عملية إجهاض والممرضة المساعدة مع طبيب البنــج، فيعتــبرهم القــانون متدخلين في جريمة الإتجار بالأشخاص وفقا للمادة 219 من قانون العقوبات التي تحدد وجوه التدخل في الجريمة.   ووفق القانون يعاقبون عقوبة جنائية وتنزل بهم عقوبة الفاعل الأساسي بعد تخفيض مدتها من السدس حتى الثلث.

فضلاً عن أن القانون اللبناني يجرّم إجراء الإجهاض إن لم يكن لأسباب علاجية أو إذا ترتب على الوالدة خطر في حال عدم الإجهاض.   وبالنسبة للضحايا السيدات اللواتي أحلن إلى جمعيات للإيواء، ينص القانون على أن وزارة العدل تتعاقد وفق المادة 586 (البند 9) مع جمعيات أو مؤسسات متخصصة لتقديم المساعدة والحماية لضحايا الجرائم.   كما ينص القانون نفسه 586 (10) على وجوب مصادرة المبالغ المتأتية عن جريمة الإتجار بالأشخاص وإيداعها في حساب خاص لمساعدة ضحايا هذه الجرائم.

  قوى الأمن: اتهامنا تجنٍّ علينا   أكدت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، رداً على الاتهامات التي طالت بعض قطعاتها على خلفية استمرار شبكة الإتجار بالبشر منذ نحو عشر سنوات، أن "ملاحقة المتورّطين الرئيسيين في الشبكة مستمرّة إلى حين توقيفهم، مهما علا شأنهم". واعتبرت أن "التلميح إلى مسؤولية أشخاص معيّنين في تهريب أحد المتّهمين بالقضية هو من باب التجنّي الذي لا يمتّ الى الحقيقة بصلة، ويأتي ضمن حملات مغرضة هدفها التشكيك بعمل المديرية العامة ومحاولة النيل منها». وذكّرت المديرية بالتحقيقات الشفافة التي تقودها في ملف الطبابة في قوى الأمن وصولاً إلى كشف المتورطين كافة".  

وأفادت مصادر أمنية لـ "السفير" أن الموقوفين الـ17 (بينهم ست حارسات) تم تسليمهم إلى النيابة العامة في جبل لبنان، وأنه لم يقبض بعد على المتهمين الرئيسين "ع.ح" و "ع.ر" اللذين كانا يتسلمان الضحايا من الأشخاص الذين يخدعونهن ويأتون بهن من سوريا، ومن بينهم "فاطمة.ج" زوجة المتهم "غ.الضفدع".

  ( السفير)