ليس مصدر هذا الكلام العداء السياسيّ لحزب الله - وهو قائم طبعاً. وليس مصدره التهويل عليه، ولا التمسّك بـ"مقاومة" يرى بعض نقّاد الحزب أنّه يجافيها ولا يمارسها.

فحزب الله مقاوم، وهنا تكمن المشكلة. ذاك أنّ ما دفعه إلى المقاومة جنوباً، دفاعاً عن النظام السوري والنفوذ الإيرانيّ، ولو باسم القدس وفلسطين وباقي المعزوفة، ليس مفصولاً عن اندفاعه اللاحق إلى القتال شرقاً، في سوريا، حين غدا وضع النظام الأسديّ والنفوذ الإيرانيّ على المحكّ. الشيئان وجهان لعملة المقاومة ذاتها.

بيد أنّ المشكلة اليوم تقيم في مكان آخر. فمنذ أسابيع ونحن نسمع ونقرأ عن احتمالات ضربة إسرائيليّة ضدّ حزب الله، ولم يكن أحد الخطابات الأخيرة لحسن نصرالله بعيداً عن هذا التلويح.

ومعروفٌ أنّ كلاماً كهذا لا يؤخذ دوماً على ظاهره. فإسرائيل، أوّلاً، مرتاحة إلى جبهتها الجنوبيّة كما لم يحصل منذ 2006 وتوقيع القرار الأمميّ 1701. وحزب الله، ثانياً، مدعوّ، في ظلّ تورّطه السوريّ، إلى إبداء التوكيد المتواصل على أنّه لم ينس إسرائيل والقدس. أمّا ثالثاً، ودائماً، فهناك لغة "القبضنة" و"المراجل" المألوفة لبنانيّاً، على طريقة "إذا عدتم عدنا" و"لا تجرّبونا" إلخ...، ممّا لا يُعتدّ به كثيراً إلاّ بوصفه غباراً تصعيديّاً آخر.

لكنْ ماذا لو افترضنا السيناريو التالي في ظلّ ما بات يُعرَف بالتخلّي الأميركي عن المنطقة، مقابل ما يعتبَره أصحاب ذاك التحليل تحدّياً إيرانيّاً مصيريّاً يشكّل حزب الله أحد أذرعه؟

ماذا لو اغتنمت إسرائيل، التي لا تكتم مخاوفها من إيران، وضعاً كهذا لإنزال ضربة جديدة بالحزب تكون استجابة لوضع إقليميّ ملائم أكثر ممّا لوضع حدوديّ مريح؟

في حال كهذه تصفّي إسرائيل حساباً قديماً فيما تزيل قوّة حدوديّة تريحها اليوم إلاّ أنّ من الصعب ضمانها مستقبلاً. وقد يمهّد عمل كهذا لإعطاء الإسرائيليّين صوتاً وموقعاً في ما يخصّ رسم المستقبل السوريّ. وفي الحال المذكورة لن تمتدّ مفاعيل الاتّفاق النوويّ الغربيّ – الإيرانيّ إلى الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة، إذ حزب الله ليس مشمولاً، لا مباشرة ولا مداورة، بالاتّفاق المذكور.

أهمّ من ذلك كلّه أنّ ضربة كهذه ستأتي مترافقة مع انعدام كلّ غطاء عربي، بما يتيح لإسرائيل تقديمها، في مزاد الحرب على الإرهاب، معركةً أخرى ضدّ هذا الإرهاب. لكنّ ضربة كهذه ستأتي مترافقة أيضاً مع انعدام كلّ غطاء لبناني محلّي: فالدولة صُدّعت بحدودها وبضماناتها بسبب تدخّل الحزب في الحرب السوريّة، أمّا السنّة والدروز فليسوا في وارد التغطية، فيما المسيحيّون يزدادون انسحاباً من "همّ" السياسات اللبنانيّة وتناقضاتها وأسباب توتّرها.  

واحتمال كهذا ينطوي على أسباب وجيهة لكي يقلق حزب الله ويُجري بعض التغيير على مسلكه ولغته... هذا إذا كان مسموحاً له أن يقلق، كي لا نتوهّم القدرة على التغيير.