خمس حلقات من "وجهاً لوجه، تحت طائلة المسؤولية" ("الجديد") أمكن فيها تفادي الاستعراض والنبرة العالية. سمر أبو خليل تواجه رياض قبيسي، وبينهما مُشاهد غرّته الصيغة الجديدة للبرنامج حتى اكتشف أنّ الشكل غلّاب المضامين.   يبالغ قبيسي في فقدان الأعصاب أمام أسئلة من البديهي أن تُطرح، وكلّما رفعت أبو خليل صوتها، تجهّم وسيطرت عليه فورة الطبع.

\في الحلقات عزيمة على كشف ملفات تثير ضجة وتحرّض "الرأي العام" ضدّ أسماء فاسدة، وذلك يُشجَّع. وفيها جهد وتكريس لأهمية تفعيل الصحافة الاستقصائية، عوض الاكتفاء بالتقارير الإخبارية الباردة. أمكن قبيسي التنازل عن دور القاضي المكفهر أمام ملفاته، الراغب في جَلْد المتهم (شأنٌ آخر أكان يستحقّ أم لا)، المتعطّش لقطف الرؤوس ثم المجاهرة بأنّه هو مَن قطفها. 17 اسماً لشخصيات سياسية وردت ضمن قائمة "سويس ليكس" التي سرّبها الموظف السابق في مصرف "أتش أس بي سي" الإيطالي هيرفيه فالشياني، وصلة ذلك بقانون الإثراء غير المشروع، أتى قبيسي على ذكرها بصفتها مدانة، وأصدر حكماً بالرجم عليها، رغم نفيه توجيه التُهم، وتذكير أبو خليل مراراً بأنّ البرنامج يترك المحاسبة للقضاء.

كثر يستحقّون العقاب، لكن ليس على طريقة قبيسي وأبو خليل الصراخية المليئة بالتناقض. أبو خليل في أدائها دور "الرأي الآخر" المضاد لمعلومات قبيسي ومستنداته المُجمّعة على مدى الليالي الطويلة، حوّلت النقاش سجالاً والستوديو لحظة ملاكمة، فلم ينتهِ المُشاهد بخلاصة دقيقة. ظلّ كلّ شيء معلّقاً، قابلاً للدحض، حتى المؤكد فيه معرّض للريبة. افتقدت الحلقات مساراً واضحاً وتعمّقاً في الطرح والمعالجة، ولم يشكّل مدّها على خمسة أسابيع إضافة جوهرية، بقدر ما بدا رغبةً في الفلش الاستعراضي. تركيبة قبيسي- أبو خليل لم تأتِ بالإعجاب المنشود. في إمكان السّكر الزائد إفساد قالب الحلوى. قبيسي يحاول تثبيت قدميه وسط عالم ينهش المال فيه الضمير. ستُقنع استقصاءاته أكثر إن تخلّى عن تعمّد لفت النظر.

النهار